د.حازم الشاذلي يكتب: دراما الدراما ربما كان أكثر موسم درامي رمضاني إثارة للجدل هو موسم 2025

فما بين مؤيد متحفظ ومعارض بمغالاة وواقفين على الحياد وممتنعين عن المشاهدة لسبب أو لأخر كانت هناك المناقشات العاصفة سواء فى الجلسات الخاصة أو على صفحات التواصل الاجتماعى.
والحق أننا بحاجة للوقوف ووضع فى الاعتبار محددات معينة قبل أن نخوض فى النقد بينما هناك متخصصون يجيدون التفنيد والتصنيف ٠
أولا لاداعى لذكر دراما بعينها حتى لا يكون هناك مجال للهوى الشخصى لذا سنتكلم على وجه العمو٠م
وجدت دائماً كما وجدت هذا الموسم دراما واقعية اجتماعية تناقش مشكلة أو معضلة اجتماعية أراد مؤلفها القاء الضوء على آفة من آفات المجتمع وفى هذا العام كان التركيز على مشكلة خطيرة مثل التحرش عموماً وخصوصاً التحرش بالأطفال كما سلط مؤلف آخر الضوء على مشكلة القمار وما استحدث فيه من مقامرة عن طريق الإنترنت وسلطت دراما أخرى الضوء على تقاليد اجتماعية بالية مثل اختبار البشعة لمعرفة الصدق من الكذب وقد كان لهذه الدراما الفضل فى عمل عصف دماغى مجتمعى أفاد كثيراً وألقى بحجر فى الماء الراكد والمطلوب الإكثار من هذه النوعية واعطائها المزيد من الحرية والجراة فى التناول بغرض تنبيه الغافلين العائشين فى غيبوبة تحت مظلة او مظنة ان الدنيا بخير!
نوع أخر من الدراما يعتمد على أمور ميتافيزيقية أو خيالية وقد تكون الدراما خيالية بحتة تعتمد فى فكرتها على الخيال المحض بما فى ذلك الخيال العلمى وقدتكون دراما عادية تعتمد فى جزء منها على الخيال او الاسطورة وليست هذه الدراما بدعة فمن قديم الأزل لجأ المؤلفون إلى الخرافة أو الأسطورة فى عملية السرد فمثلا فى رائعة شكبير هاملت يظهر دور الشبح الذى تراءى لهاملت لينبئه أن هناك مؤامرة قتل فيها والده فهل كان هناك شبح حتى ولو فى ايام شكسبير؟ وفى رائعة شكسبير الأخرى ماكبث كان هناك الساحرات أو العرافات الثلاثة اللاتى كان لهن دور فى تحديد مصير ماكبث فهل فى الواقع ساحرات أو عرافات يتنبان بمصير الانسان بهذه الدقة ؟ وفى مسرحية سوفو كليس الخالدة أوديب ملكا يقابل أوديب الوحش الأسطورى سفنكس فيساله الوحش عن كائن يمشى على أربع ثم اثنين ثم ثلاثة ويجيب أوديب عن اللغز بينما يعجز اخرون فهل هناك هذا الوحش الحكيم ؟ وحتى فى العصر الحديث وفى رواية مائة عام من العزلة لماركيز تلك الرواية الرائعة المعقدة يلجأ فيها ماركيز الى اللامعقوليات مثل رجل يرتفع عن الأرض بلا أجنحة بينما الرواية تعج بأحداث حقيقية مثيرة كل هذه الحيل والفانتازيا أساليب يلجأ إليها المؤلف لتعينه على السرد ولإضفاء شيء من الغموض والإثارة على مؤلفه.. إذن فهذا مستساغ ومقبول أحياناً فى الدراما.
وإذن فهذا النوع من الدراما له زبائنه وأنا لست منهم وهؤلاء الزبائن لابد أن ينقسموا إلى قسمين ٠قسم يشاهد ويستمتع مع علمه بهذه الحقيقة أنها فانتازيا سردية أو دراما خيالية بحتة ولكن ما العمل إذا كان هناك جمهور يعتقد فى الجن والأعمال السفلية والعلوية وما إلى ذلك من الخرافات ؟ هنا لابد من المراجعة وعدم الاستغراق ومراعاة أن من الجماهير ما لا يستطيع حتى أن يفك الخط!
وهناك الدراما الكوميديا الخفيفة المبهجة والتى تفتقر أحياناً الى المنطق ولكن مع ذلك تضحكك وتبهجك وهذا النوع من الدراما يلقى استحسانا من جمهور عريض كما حدث هذا العام٠
ثم نجىء للدراما الفجة والتى أثارت الكثير من الغضب هذا العام حتى أنها لفتت نظر المسئولين فى الدولة والحق أن العذر الذى يسوقه منتجو هذه الأعمال هو أنهم يمثلون الواقع وقد يكون هناك شيء من المنطق فى هذا ولكن الفنان الحقيقى هو الذى يصور الواقع مهماً كان مراً ولكن بالإسلوب الجمالى الراقى فمن منا لا يتذكر أفلام صلاح أبو سيف العظيمة والتى صور فيها الواقع بارقى صورة دون أن يشعر المتفرج بالتقزز كان منزل عائلة عمر الشريف فى فيلم بداية و نهاية منزلاً فقيراً وشعبياً والبيئة افقر ومع ذلك لم يشعر أحد بالاشمئزاز ولم نسمع لفظاً خادشاً قبيحاً.
وأخيراً نجىء الى الدراما الحراقة أو الميلودراما ولها جمهورها العريض وهو نفسه جمهور المسلسلات التركية وكانت هذه هى الدراما التى أمتعنا بها مخرج الروائع حسن الاإمام فى الأربعينات والخمسينات والستينات وحتى السبعينات من القرن الماضى ومهما اختلف النقاد حول هذا المخرج الكبير فانه يظل علامة فى تاريخ السينما المصرية ٠
والمشاهد يستمتع بهذه الدراما مهما وجد فيها من ثغرات درامية أحيانا لا معقولة وهى ما تسمى بالميلودراما التى تعتمد على المصادفة وأحيانا على أمور لا منطقية شبه مقبولة كأن يقع رجل فى حب امراة يتضح فيما بعد أنها شقيقته ! أو أن تلتقى راقصة بربيب الرجل الذى سجن والدتها واستولى على مالها فتنتقم بأن تتزوج الأب ! أو أن يتواجد رجل أو امرأة فى مسرح جريمة هو بريءمنها فيتم القبض عليه أو كما حدث فى رواية الكونت دى مونت كريستو لالكسندر ديماس عندما يلتقى مسجون سياسى فى زنزانة تحت الأرض بمسجون آخر يدله على كنز ثمين٠
دراما حراقة لذىذة تشاهدها وتغض بصرك تماماً على مدى لا معقوليتها أحيانا ولكنك تستمتع بها وسيظل هذا النوع سائداً ولن ينقرض لأنه يوافق ذوق الانسان وخاصة إنسان العالم الثالث ٠
وأخيراً نجىء للمسلسل التاريخى أو التاريخى الدينى وأنا فقط لى رجاء ممن اعترضوا على مسلسل هذا العام وقاطعوه من دون حتى أن يشاهدوه لى رجاء أن تخبرونا عن سبب الاعتراض أو عن المأخذ التاريخية التى تحسبونها على المسلسل وبهذا ستكون الإفادة القصوى ودعنا من مسالة ظهور الصحابة دراميا فهذا أمر خلافى كبير تطول فيه المناقشة واحب أن أنوه وأن اذكر أن فى الإعمال التاريخية يمكن إضافة عامل درامى محسوب يزين العمل ويجعله غير وثائقى فمثلاً لم تكن هناك شخصية الفارسة الصليبية لويزا والتى أحبت العوام فى فيلم صلاح الدين ولكن كانت هذه حاجة درامية بحتة ٠
ولعل الدراما السخبفة المفجعة المؤلمة المحبطة اللامعقولة حالياً هى الدراما التى يعيشها الآن الشرق الأوسط مع وجود الممثل البارع والمخرج القدير الأستاذ ترامب!