الكاتب الصحفي خيري حسن يكتب: الطفل المجهول - أظنه - مازال يرسل الدعوات الطيبة إلى ( روح) العظيم سمير سرحان

ديسمبر 3, 2024 - 18:33
الكاتب الصحفي خيري حسن يكتب: الطفل المجهول - أظنه - مازال يرسل الدعوات الطيبة إلى ( روح) العظيم سمير سرحان

فى سنة من السنوات التى كان الكاتب الكبير إبراهيم عبد المجيد يشرف فيها على المقهى الثقافى فى معرض القاهرة الدولى للكتاب ترك الندوة وخرج يجلس فى المقهى المجاور ربما ليشرب فنجان قهوة ( بمزاج).. ويعود!

                     

وهو جالس يرتب أوراق الندوات والشخصيات والفاعليات القادمة اقترب منه طفل عمره قد لا يتعدى 13 سنة وسأله:"

حضرتك الأستاذ إبراهيم عبد المجيد"؟ 

وضع السيجارة أمام فنجان القهوة ورد :

" أيوه.. يا حبيبي..خير..عايز حاجه"؟

اقترب الطفل منه أكثر وقال بصوت ضعيف:

" أنا تلميذ من محافظة بنى سويف - تقع شمال الصعيد وتبعد عن القاهرة 120 كم - وجئت أبحث عن فرصة عمل بالمعرض"

هز إبراهيم عبد المجيد رأسه وقال:

" وبعدين.. كمل كلامك"!

رد الطفل بعدما تحسن صوته قليلاَ:

" لما سألت عن الشغل قالولى حضرتك اللى ممكن تشغلنى"

                      

رد إبراهيم عبد المجيد قائلاً:

" طيب اقعد..اشرب شاى الأول" الطفل رفض وظل واقفاَ أمامه...فوقف إبراهيم عبد المجيد بعدما أطفأ السيجارة وقال:

" المقهى الثقافى هذا تابع لهيئة الكتاب، والهيئة جهة حكومية لا تسمح لعمل أحد أقل من ستة عشر عاماَ، حتى لو عمل مؤقت، لأنها جهة رسمية" تمتم الطفل قائلاً:

" ولكنى من أسرة فقيرة ونحن فى إجازة نصف العام الدراسية وكنت اتمنى أن أعود لاسرتى ببعض النقود"! 

                   

هز إبراهيم عبد المجيد رأسه ووضع يده على كتف الطفل ودس يده فى جيب بنطلونه فوجد 50 جنيهاَ فوضعها فى يد الطفل وطيب خاطره قائلاً:

" ابحث داخل المعرض عن دار نشر خاصة ربما تجد فيها فرصة" فودعه الطفل بابتسامة رضا وجلس هو يكمل فنجان القهوة ويشعل سيجارة جديدة.

                     

قبل أن ينتهى من شرب فنجان القهوة جاء شاب يقترب من الثلاثين عاما واقترب منه هو الآخر وسأله:

"حضرتك الأستاذ إبراهيم عبد المجيد" تمتم قبل أن يرد:

" إيه الحكايه النهاردة"؟ ثم رد وهو يضحك:" أيوه..أنا..اتفضل اقعد" الشاب جلس وقال:" أنا ناشر سوري وأريد أن أطبع لك أى رواية قديمة" فرد عليه:" يمكن أن تطبع رواية (المسافات).. لأن دار المستقبل التى طبعتها ليس لها أى حقوق عندى، لأنها مطبوعة من زمان" فرح الناشر الشاب بهذا الرد وهذا الإتفاق ثم أخرج من جيبه خمسمئة جنيه ( تساوى فى ذلك الوقت 200 دولار تقريباً) وأعطاها له بإيصال حتى كتابة العقد بينهما ثم غادر المكان فيما واصل إبراهيم عبد المجيد جلسته فى دهشة وذهول...وكأن( جبر خاطر الطفل) قبل قليل بخمسين جنيه عادت له - بعد قليل - من هذا الشاب بخمسمئة جنيه وهو مازال يجلس فى مكانه.

                     

بعد يومين التقى إبراهيم عبد المجيد - بالصدفة - بالطفل يقف أدام باب مكتب الدكتور سمير سرحان.

-- ازيك يا فتى؟

-- بخير والحمد لله

-- انت اشتغلت هنا

-- هز دماغه قائلاَ:" اه"!

-- طيب كويس..شد حيلك"

وفيما بعد عرف إبراهيم عبد المجيد أن الطفل بعدما وصل إلى الدكتور سمير وحكى حكايته تعاطف معه وقال لمدير مكتبه:" وقف الطفل ده آدام باب المكتب بجوارك " !

وبالفعل فعل ذلك، فيما كان سمير سرحان كل يوم يعطي للطفل من جيبه الخاص مبلغاَ جيداَ دون أن يعرف أحد ذلك طيلة أيام المعرض!

..... هذا الطفل المجهول - أظنه - مازال يرسل الدعوات الطيبة إلى ( روح) العظيم سمير سرحان .. 

وهذا الطفل المجهول - أظنه - ولو كان يعرف اليوم عنوان إبراهيم عبد المجيد لكان قد أرسل له (باقة ورد) فى عيد ميلاده.. وقال له:" كل سنة وأنت طيب يا عم إبراهيم"

•• الأحداث حقيقية.. والسيناريو من خيال الكاتب.

المصدر:

كتاب:

الأيام الحلوة .. فقط" إبراهيم عبد المجيد - بيت الياسمين للنشر - طبعة 2020