السفير الدكتور عادل عيد يوسف يكتب: المصريون في الخارج .. خط الدفاع الاقتصادي الأول وصوت ينتظر التمثيل

في كل زاوية من زوايا العالم، يعيش المصريون في الخارج بقلب لا يكفّ عن الخفقان باسم وطنهم. تتعدد الأماكن، وتتنوع اللهجات، وتختلف الثقافات، لكن تبقى الذاكرة مشدودة إلى ضفاف النيل، والعيون مشرئبة صوب أرض تحمل جذورهم العميقة. هؤلاء ليسوا مجرد مغتربين عابرين، بل هم ركيزة اقتصادية، وخزان ناعم للقوة الوطنية المصرية. إنهم ببساطة: خط الدفاع الاقتصادي الأول.
وفقًا لأحدث بيانات وزارة الهجرة وشؤون المصريين في الخارج، يُقدَّر عدد المصريين المغتربين بأكثر من 14 مليون مواطن، يشكلون ما يقارب 13.2% من إجمالي الشعب المصري، ومع ذلك لا يتجاوز عدد ممثليهم تحت قبة البرلمان المصري 8 نواب فقط، أي بنسبة 1.35% تقريبًا من مقاعد مجلس النواب (592 مقعدًا). هذه الفجوة تُظهر الحاجة إلى إعادة تقييم وتحديث آليات التمثيل السياسي، بما يواكب التحولات الديموغرافية والاقتصادية في البلاد.
إسهامات المصريين في الخارج تتجاوز الأبعاد الاقتصادية الظاهرة إلى أدوار استراتيجية تمتد إلى العمق الوطني. ففي عام 2024، تجاوزت تحويلاتهم النقدية 29.6 مليار دولار، وفقًا لبيانات البنك المركزي، مما يجعلهم أحد أكبر مصادر النقد الأجنبي في مصر، إلى جانب قناة السويس والسياحة. هذه الأرقام لا تعكس فقط التزامهم تجاه وطنهم، بل تترجم حجم الرهان الذي يجب أن يُبنى عليهم في أوقات التحديات.
ومع ذلك، فإن التمثيل البرلماني الحالي لا يعكس هذا الدور، وهو ما لا يُمكن اعتباره تجاهلًا، بل أقرب إلى فجوة تنظيمية تستحق المعالجة برؤية مستقبلية. فالحضور المحدود في البرلمان لا يتناسب مع الحجم الحقيقي لهذه الفئة، ولا مع التأثير الذي تمارسه على مستوى الاقتصاد والمجتمع المصري.
تمكين المصريين في الخارج سياسيًا لا يجب أن يكون خطوة رمزية، بل ضرورة استراتيجية. هناك العديد من التجارب الدولية الملهمة، لدول مثل فرنسا وإيطاليا ولبنان، تمنح لمواطنيها في الخارج دوائر انتخابية مخصصة، وصوتًا واضحًا في الحياة التشريعية. ويمكن لمصر أن تستفيد من هذه النماذج، وتعمل على تخصيص عدد مناسب من المقاعد في البرلمان، بحسب مناطق التوزيع الجغرافي للمغتربين، بحيث يتم انتخاب ممثلين مباشرين لهم من الجاليات المصرية في الخليج، أوروبا، الأمريكتين، وأفريقيا.
كما أن تحديث أدوات التصويت من خلال المنصات الإلكترونية أو التوسع في خدمات البعثات الدبلوماسية خلال الانتخابات يمكن أن يعزز من فرص المشاركة، ويُشعر المواطن في الخارج بأن صوته يُحتسب، وأن وجوده له قيمة سياسية بجانب قيمته الاقتصادية.
النظرة إلى المصري في الخارج ينبغي أن تتطور لتصبح أكثر شمولًا وواقعية. فهؤلاء المواطنون يشكّلون رافعة للاستقرار الوطني، وخط دفاع أول في مواجهة التحديات الاقتصادية، ومصدرًا للثقة الدولية في قدرة مصر على التواصل مع أبنائها في المهجر. إنهم، ببساطة، شركاء في الحاضر، وحلفاء في المستقبل.
توسيع تمثيلهم لا يُقلل من دور الداخل، بل يعززه. فالبرلمان الحقيقي هو الذي يعكس الصورة الكاملة للوطن، لا جزءًا منه. والعملية السياسية المكتملة هي التي تستوعب كل من يمد يده بالولاء والعمل والدعم، أينما كان.
لقد آن الأوان لأن يُستمع لصوت الخارج لا كصدى بعيد، بل كجزء طبيعي من النسيج السياسي المصري، بحجم ما يقدمه، وبحجم ما يستحقه.