الكاتب الصحفي خيري حسن يكتب: «قتلوا إبراهيم»!
كانت الساعة تقترب من العاشرة صباحًا عندما ركبت مترو أنفاق القاهرة الكبرى من محطة حدائق المعادى إلى محطة جمال عبد الناصر (وسط القاهرة)، ثم ترجلت حتى وصلت إلى محطة سيارات أجرة أمام صيدلية الإسعاف. اقتربت من سيارة ميكروباص يقف سائقها ينادى: «إمبابة - إمبابة»، وبداخلها عدد من الركاب.
صوت أحمد عدوية كان يتسرب من داخل السيارة، ما شجعنى على الاقتراب من السائق، وسألته: «أريد الوصول إلى شارع النبوى المهندس»، ثم أضفت سؤالًا آخر: «هل هذا العنوان فى طريقك؟»
رد: «آه.. اركب وهنزلك آخر السور».
ولأننى أحب سماع صوت أحمد عدوية، قفزت للجلوس بجواره دون أن أعرف عن أى سور يتكلم.
تحركت السيارة متجهة إلى ميدان عبد المنعم رياض، ومنه إلى كوبرى أكتوبر، ثم انحرفت بنا يمينًا استعدادًا للنزول إلى مخرج العجوزة. وبعد دقائق، وجدنا أنفسنا أمام العمارة التى عاش فيها نجيب محفوظ.
السائق يدندن مع صوت عدوية. قلت للسائق وأنا أشير له: «هنا عاش نجيب محفوظ؟»
رد: «معقولة كان عايش هنا؟»
سألته: «أنت تعرف نجيب محفوظ يا أسطى؟»
رد باستهجان: «اللى ما يعرفش نجيب محفوظ يبقى ما يعرفش مصر يا أستاذ». ثم أكمل بعدما توقف لنزول زبون أمام مستشفى الشرطة: «لسه شايفه امبارح مع طارق حبيب فى قناة ماسبيرو زمان... حاجة من ريحة مصر الحلوة».
قلت وأنا أبتسم: «بالمناسبة، نجيب محفوظ كان يحب سماع صوت عدوية!»
ضحك وهو يقول: «مش بقولك راجل ابن بلد». قالها وهو يضحك، قبل أن يسألنى: «أنت قلت لى رايح فين؟»
رديت: «16 شارع النبوى المهندس، للبحث عن واحد مات سنة 1976».
رد بدهشة: «وده هتلاقيه فين دلوقت؟»
قلت: «مراته لم تكن مصرية، كانت أجنبية».
قال وهو يضحك: «مش معقول تكون لسه عايشة هنا لحد النهارده». ثم أضاف وهو يبطئ من صوت الكاسيت: «أكيد أخدت عيالها وطارت على بلدها من زمان».
ثم سألنى وهو يبطئ السيارة استعدادًا للوقوف على جنب: «وكان بيشتغل إيه الراجل اللى بتدور عليه ده؟»
قلت: «كان كاتبًا صحفيًا استُشهد فى بيروت سنة 1976 خلال الحرب الأهلية اللبنانية».
هز رأسه وهو يوقف السيارة، وقال: «الله يرحمه وربنا معاك». ثم رفع صوت عدوية الذى لا يزال يغنى:
«دقيت على الأبواب... قالوا كفاية... كفاية ده مفيش حد... وناديت على الأحباب... قالوا كفاية... كفاية... ومين هيرد».
نزلت من السيارة مودعًا السائق وعبرت إلى ضفة الشارع الأخرى فيما تركت صوت عدوية ـ الذى رفعه السائق بعد نزولى ـ يغنى: «كل الناس مسافرة».
"هجموا الوحوش"
حرقوا الورق
واللى عليه من كلام بالرشاشات»
بسرعة خاطفة تخطيت الشارع حتى أصبحت بجوار السور- سور مستشفى الجمعية الخيرية الإسلامية التى أنشئت عام 1936، وبدأت الترجل ببطء أستكشف الطريق حتى وصلت إلى (سوبر ماركت) فسألت صاحبه: «أين شارع النبوى المهندس»؟ رد: «أول يمين اللى جاى فيه قهوة قديمة أسأل صاحبها.. أنا معرفوش»، تركته وأنا أسأل نفسى أكان يجب أن يسافر الكاتب الصحفى إبراهيم سعد عامر (اسم الشهرة إبراهيم عامر) إلى لبنان للعمل فى الصحافة اللبنانية لتكون نهايته الموت شهيدًا؟ الإجابة: «نعم كان يجب! لأنه كان مصرياَ ـ كما قالت صحيفة السفير اللبنانية وهى تنعيه ـ خصبا معطاء، وأسمر مثل أرض مصر، ودافقًا مثل نيلها العظيم، ودؤوبا مثل فلاحها، وليس بالمصادفة أن أهم ما تركه إبراهيم عامر كان كتابًا عن أرض مصر وفلاحها الخالد.
كان يجب أن يستشهد لأنه كان رمزًا مضيئًا للحياة بدفقها المتصل ونفيًا قاطعًا للموت ولو كاحتمال.. وككل المناضلين كان متفائلًا ومحبًا للحياة نتيجة لثقته بالإنسان.. مات إبراهيم عامر يوم 19 فبراير 1976 عن عمر يقترب من 55 عامًا، فهو من مواليد مدينة الإسكندرية عام 1922 ليكون بذلك ـ فيما أعتقد ـ هو أول صحفى مصرى يموت شهيدًا للثورة الفلسطينية ـ عندما أصدر ياسر عرفات، رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية آنذاك، قرارًا يقضى باعتباره شهيدًا للثورة الفلسطينية، وقد نعته الثورة إلى جماهير الأمة العربية، قائلة: »إنه كان مناضلًا عربيًا كبيرًا قدم حياته من أجل حرية وتحرر الشعب العربى ومن أجل تقدم أمته وعزتها«، فيما ذكرت وكالة (وفا) الفلسطينية فى كلمة نشرتها على وسائل الإعلام العربية والدولية: «وسيظل دمك يا إبراهيم ينبت زهورًا على طريق الثورة».
أيضًا، كلّف «عرفات» وفدًا يمثل اتحاد الكتاب الفلسطينى بمرافقة الجثمان وتشييع الجنازة من بيروت إلى القاهرة ملفوفًا بعلم فلسطين، وكذلك قررت حكومة العراق منح معاش لأسرته قدره 100 دينار شهريًا، فيما نعته كل الأقلام اليسارية التقدمية فى الصحافة المصرية والعربية ونعاه ـ أو بالأدق نعى الأمة العربية فى شخصه ـ صلاح جاهين، بقصيدة نشرها بالأهرام بعد استشهاده جاء فيها: «يا مطبعة..
يا معبد الديمقراطية العظيم..
على مذبحك.. قتلوا ابراهيم».
الآن.. اقتربت من المقهى وجلست على أول مقعد، وطلبت «شاى بالنعناع»، وأنا أسأل القهوجى عن الشارع، رد: «الشارع اللى جاى شمال تدخل منه طوالى وتسأل مش بعيد 10 دقائق مشى»، ثم قال: «أجيب شيشة»؟ رديت: «الشاى كفاية».
جاء القهوجى بالشاى فتركته وتحركت للناحية المقابلة من الشارع عندما لمحت لوحة مكتوب عليها: (عاش هنا ـ الدكتور محمد السيد سعيد) وقفت أمامها قليلًا قبل أن أعود للمقهى وجلست أتناول الشاى وأعيد بينى وبين نفسى بداية معرفتى باسم إبراهيم عامر.
كانت البداية من خلال كتاب صغير الحجم صادر عن مكتبة الأسرة عام 1999، تأليف شكرى القاضى عنوانه (مائة شخصية مصرية)، فى الكتاب فصل صغير يضم معلومات أولية عنه. فى الصباح اتصلت بالكاتب والشاعر شعبان يوسف ـ فهو أرشيف ثقافى وصحفى يسير على الأرض ـ وسألته عن معلوماته عن إبراهيم عامر فقال: «هو واحد من أصدق وأنقى وأجمل ـ من حيث الفكر والموضوعية والدراسة المنهجية فى الكتابة ـ من أنجبتهم الصحافة المصرية عبر تاريخها الممتد وهو صاحب واحد من أفضل ـ إذا لم يكن الأفضل على الإطلاق ـ الكتب التى تناولت علاقة الأرض بالفلاح المصرى، كتاب (الأرض والفلاح) ناهيك عن عدة كتب وترجمات أخرى منها كتاب (قناة السويس) ـ تأليف جالينا نيكيتينا. وكتاب: (تأميم القناة) وكتاب: (ثورة مصر القومية) (وهذه الكتب الأربعة قمت باستعارتها من مكتبة شعبان يوسف وأنا أستعد لرحلة البحث) ثم قال شعبان يوسف: «وإبراهيم عامر كان قد تزوج من صحفية فلسطينية الأصل اسمها جاكلين خورى كانت تعمل فى صحيفة الأهرام منذ بداية الخمسينيات واستوحى الكاتب محمد سلماوى قصة حياتها فى روايته (الخرز الملون ـ خمسة أيام فى حياة نسرين حورى) صدرت طبعتها الأولى عام 1991 ولكى تعرف تفاصيل أخرى عليك التواصل مع محمد سلماوى».. وبالفعل حدث ذلك! سألنى محمد سلماوى. هل قرأت الرواية؟ رديت: لا ! قال: «أقرأ الرواية ثم نتكلم». فى اليوم التالى ذهبت إلى المكتبة ـ التى أشار علىّ بها ـ وجئت بالرواية وقرأتها ثم عدت إليه فقال: «أنا مسافر للمغرب لمدة شهر.. لما أرجع نتكلم».
الرواية تناولت القضية الفلسطينية منذ نكبة 48 حتى رحيل جاكلين خورى فى حادث مأساوى مؤلم عام 1980.
هذا الحادث كتبت عنه ابنتها من زوجها الأول ـ فلسطينى من أصل لبنانى ـ منى قطان زوجة الشاعر صلاح جاهين قائلة: «كانت حالة أمى الصحية قد تدهورت. لم يستطع زوجها ـ تقصد إبراهيم عامر زوجها الثانى ـ أن يواجه ما تبقى من شباب أمى من حطام إنسان يبدو حيا على السطح، وفر إلى لبنان وسط الأحداث الملتهبة. هناك وجد الشجاعة الكافية كى يواجه النيران، بينما لم يجد الشجاعة فى مواجهة لهيب الفشل العاطفى. وتوفى هناك بقنبلة ألقيت أثناء وجوده فى المطبعة»، ثم تقول: «وتوالت نوبات الاكتئاب وفقدت أمى صلتها بالعالم وجلست تكتب أشعارًا وراء قضبان المستشفيات».
تواصلت مع السيدة منى قطان للحديث عن والدتها، لكنها اعتذرت لظروفها الصحية فيما قالت: «كل ما لدى كتبته قبل ذلك» ثم تواصلت مع السيدة سامية جاهين للحديث عن جدتها فى محاول للوصول إلى أى معلومات عن إبراهيم عامر لكنها لم ترد، ربما لأنها لا تعرفنى من قبل، فتواصلت مع الصديق طارق فهمى حسين ـ وهو صديق مقرب لها ـ وشرحت له فكرة ورحلة بحثى عن إبراهيم عامر ـ وبالطبع السيدة جاكلين خورى ـ وبالفعل نجح فى تسهيل اتصالى بسامية جاهين التى اعتذرت لعدم ردها فى المرات السابقة ثم قالت: والدتى بعوامل السن لم يعد فى استطاعتها الحديث فى أمور قد تسبب لها ألمًا نفسيًا وأنا لا أريد لها ذلك لكن قصة جدتى (وكنت طفلة عندما ماتت) ستجد بعض تفاصيلها فى رواية (الخرز الملون) وفى كتاب والدتى الصادر العام الماضى تحت عنوان: (صورة شخصية لزوجة شاعر) ثم قالت:
«وأنا معك إذا ما احتجت أى توضيح»، قلت: «من حيث المبدأ أنا لا أحب إرهاقها ـ فى هذه السن ـ نفسيًا بالحديث عن الماضى لكننى سوف أشترى الكتاب ولو احتجت أى توضيح سوف أعود إليك» وبالفعل اشتريت الكتاب، فيما قال لى شعبان يوسف إن لديه كتابًا آخر لمنى قطان صادر عام 1987 (أيام مع صلاح جاهين ـ التداخل ونزيف الوطن)، وجاء لى بالكتاب ليصبح معى الكتابين والرواية فى محاولة للوصول إلى سيرة إبراهيم عامر من خلال سيرة جاكلين خورى.
"كسروا المحابر"
داسوا ع القلام ما يهمناش»
بعد أسبوع قررت الذهاب إلى الأرشيف الصحفى فى المؤسسات القومية. ذهبت إلى مؤسسة دار الهلال التى انتقل لها عام 1964 بترشيح من أحمد بهاء الدين، رئيس مجلس الإدارة وقتها، ليكون مديرًا لتحرير مجلة المصور قبل أن يصبح أول رئيس تحرير مصرى لمجلة (إماج) ـ طبعة المصور بالفرنسية ـ وكان يكتب فى مجلة المصور ومجلة الهلال.
فى الأرشيف وجدت الملف فقيرا لا يرتقى إلى اسم الرجل وإنتاجه الصحفى. تواصلت مع زميل فى المؤسسة حتى أصل إلى ملفه الوظيفى الذى سوف يدلنى على البيانات الشخصية عنه. بعد أيام رد الزميل: «شؤون العاملين فى المؤسسة تقول لا يوجد أى بيانات عن اسم إبراهيم عامر» ثم قال وهو يضحك: «تخيل؟ بيقولوا مين إبراهيم عامر ده أصلًا؟»، تركت أرشيف دار الهلال (التى لو علم من فيها من هو إبراهيم عامر لنصبوا له تمثالًا بجوار تمثال إميل زيدان فى مدخل الدار) واتجهت إلى أرشيف أخبار اليوم (وهو من الأرشيفات الصحفية الجيدة) لكننى للأسف لم أجد ملف جاكلين خورى حيث لا وجود لاسمها، وكذلك اسم إبراهيم عامر فقررت التوجه إلى أرشيف الأهرام.
اتصلت بالزميل الكاتب الصحفى محسن عبدالعزيز، الذى قال: إبراهيم عامر ده كاتب عظيم وصاحب كتاب ثورة مصر القومية (الكتاب صدر منه طبعة حديثة تباع بستة جنيهات فى مكتبات هيئة قصور الثقافة بمقدمة للكاتب والمفكر سمير مرقص وطُبع فى عهد الزميل الكاتب الصحفى جرجس شكرى الذى يحسب له ما قدمه للثقافة الجماهيرية فترة تواجده أمينا عامًا للنشر فى هيئة قصورالثقافة) نزلت من باب أسانسير الأهرام بالدور الرابع.
فى الطرقة المؤدية إلى صالة التحرير ـ خلف الزجاج يظهر أمامى قسم الخارجى الذى كانت ترأسه جاكلين خورى (وفيه استقبلت نبأ القصف الذى تعرض له المبنى الصحفى الذى كان بداخله زوجها إبراهيم عامر فى بيروت) وأنا أتأمل المكان وجدت أمامى الشاعر إبراهيم داود الذى عاد معى إلى مكتب محسن عبدالعزيز.
ونحن نشرب الشاى دار الحديث عن إبراهيم عامر وجاكلين خورى ورحلة بحثى عن (إبراهيم - جاكلين) وصعوبة الوصول إلى أى معلومات شخصية بالتحديد عن إبراهيم عامر.
قال محسن: «فى أرشيف جاكلين هنا بالأهرام قد تجد الخيط الذى به تصل إلى إبراهيم عامر» وقال إبراهيم داود: «هناك عدة أسماء مازالت على قيد الحياة من بينهم الكاتبة الصحفية أمينة شفيق ـ أمد الله فى عمرها ـ تستطيع التواصل معها». بعدما فرغ محسن من شرب الشاى اتصل يسأل عن: «ملف جاكلين»؟ جاء الرد: «جاكلين موجود.. إبراهيم لا» خرجت مع محسن متجها إلى الأرشيف فيما تركنا إبراهيم داود أمام الأسانسير حيث لديه اجتماع فى مجلة إبداع التى يرأس تحريرها.
إبراهيم ودعنى ولم ينس أن يقول: «الله كريم»!
صعدت للدور الخامس وجاءت الزميلة بملف جاكلين خورى (وهو للأسف فقير أيضًا) لكنه أفضل من غيره إلا أنه ليس فيه ما يساعدنى للوصول إلى إبراهيم عامر، فتركت الأهرام وأنا أردد مقولة إبراهيم داود: «الله كريم».
«نزل الجدع
ما معاهش غير قلبه
وغير الكفوف
صحفى أصيل
أعزل يدافع عن صفوف الحروف»
فى اليوم التالى تواصلت مع أمينة شفيق التى قالت: «إبراهيم عامر.. يا سلام عليه كان صحفيًا من طراز نادر وكان صاحب موقف وقضية» سألتها عن جاكلين خورى قالت: «كنا زمايل فى الأهرام لكن لم نكن أصدقاء.. الله يرحمها ماتت موتة صعبة قوى» سألتها عن أسرة وأولاد إبراهيم عامر قالت:
«الحقيقة معرفش عنهم حاجة أصل الزوجة الأولى (أم الأولاد) كانت أجنبية» ثم قالت بحسم: «لكن أستطيع أن ألخص لك إبراهيم عامر فى كلمتين: لقد ولد وله موقف وعاش وله موقف ومات على موقف». بعد أسبوع حدد الكاتب والباحث الفلسطينى عبد القادر ياسين موعدًا حتى أزوره فى بيته شرق القاهرة فى حى حلمية الزيتون. ذهبت مع شعبان يوسف فى اللقاء قال: «عرفت إبراهيم فى المعتقل سنة 1960 (كان إبراهيم قد اعتقل فى الفترة من 1959 ـ حتى 1964) وكان انسانًا عظيمًا ونبيلًا وباحثا وكاتبًا ومعلوماتى عنه تقتصر على أننى أعرف أنه من مواليد الإسكندرية وذهب فى شبابه للعمل بمصانع النسيج فى كفر الدوار. أما بيته فى القاهرة فلا أعرفه عنهم أى شىء».
غادرنا بيت عبد القادر ياسين الذى مازالت معلقة فيه صورة الرئيس جمال عبدالناصر وبالقرب منها صورة لحسن نصرالله، فكرت أن أسأل الصديق ناجى الناجى المستشار الثقافى لسفارة فلسطين بالقاهرة فربما لديه أى معلومات عن إبراهيم عامر وبالفعل اتصلت ووعدنى بالبحث والرد قريبًا. بعد أسبوع ذهبت إليه والتقيت به فقال: «للأسف كل رفقاء إبراهيم عامر الذين عملوا معه فى بيروت ليس منهم أحد على قيد الحياة ومن أطال الله فى عمره ابتعد عن العمل أو تقطعت به سبل التواصل.. ومازلت أبحث»!.
بعد أسبوع اتصلت بالزميل الكاتب الصحفى أحمد أيوب ـ رئيس تحرير صحيفة الجمهورية ـ بعد الترحيب قال: «حاضر.. سوف أسأل فى الأرشيف وفى شؤون العاملين عن اسم إبراهيم عامر وسوف أتصل بك» مر أسبوع آخر ولم يتصل فقلت إذن لم يبق أمامى سوى نقابة الصحفيين.
«يا ميت ندم
اتفجرت فيه الحروف العزاز
فارت لهيب طاشت رذاذ
واتحولت سم غاز»
فى النقابة ـ بعد تقدم طلب رسمى ـ اتصل بى مكتب الكاتب الصحفى جمال عبد الرحيم السكرتير العام للنقابة: «اتفضل.. الملف موجود»، ارتديت ملابسى وأسرعت إلى النقابة. استقلبنى جمال عبدالرحيم فى مكتبه ثم جاء الكاتب الصحفى خالد البلشى (النقيب) ومحمد سعد عبدالحفيظ عضو مجلس النقابة وأثناء انهماكى فى الملف قال جمال عبدالرحيم للنقيب:
«الأستاذ (وأشار علىّ) يبحث عن إبراهيم عامر»، ابتهج خالد البلشى وهو يرد: «ده صحفى قدير وصاحب كتاب من أفضل الكتب التى كتبت عن الأرض والفلاح ويجب أن نقيم له ندوة فى ذكرى رحيله وسيكون جميلًا لو وصل الأستاذ (وأشار علىّ) لأحد من أسرته»، قلت وأنا ابتسم لهما: «الملف هايل وأخذت منه العنوان وسوف أواصل البحث ثم شربت الشاى الذى طلبه جمال عبدالرحيم وغادرت النقابة».
وما بين شاى النقابة والشاى الذى أمامى الآن على المقهى فى طريقى لعنوان منزل إبراهيم عامر كنت قد قرأت كتبه الأربعة ورواية (الخرز الملون) وكتابين منى قطان عن سيرة حياتها مع صلاح جاهين وما تيسر لى من أرشيفهما الصحفى الذى لا يليق بمشوارهما فى دهاليز الصحافة والثقافة والسياسة المصرية منذ أن وصلت جاكلين خورى من فلسطين قبل النكبة بسنوات وعاشت وتعلمت واشتغلت فى القاهرة ومنذ وصول إبراهيم عامر من مصانع كفر الدوار عام 1948 للعمل فى صحيفة المصرى ثم انتقاله ـ بطلب من أنور السادات ـ إلى صحيفة الجمهورية ـ صحيفة الثورة حينذاك ـ وحتى وصوله عام 1974 إلى بيروت للعمل فى الصحف اللبنانية ومرور بتجربته فى دار الهلال.
مرت ساعة وأنا على المقهى متوقعا فشلى فى الوصول إلى بيت إبراهيم عامر. وإن وصلت هل سيكون فى البيت أحدُ من الأبناء (جمال كان عمره 26 وسامى كان عمره 25 عندما استشهد والدهما)؟.
دفعت الحساب للقهوجى الذى بدأ يصف بمهارة الطرق للوصول للعنوان. وبدأت من شارع إلى شارع حتى وصلت إلى شارع النبوى المهندس. وبالفعل وصلت للعمارة رقم 16. أسفلها يوجد سوبر ماركت. سألت صاحبه فقال:
«إبراهيم عامر.. صحفى.. لا.. أنا أول مرة اسمع الاسم ده هنا»!
قلت: «كانت زوجته أجنبية وله ابنان» رد مبتهجا: «الست كريستيانه السويسرية.. الله يرحمها ماتت 2006»، قلت: هل ممكن أجد أحدا من الأسرة؟ رد: «المهندس سامى شقته فى الدور الثالث»، وبعد تردد صعدت سلم العمارة.. أنا الآن أمام الباب.. طرقت عدة مرات.. ومازلت أنتظر الرد!
...... ومعى صوت عدوية يغنى:
«دقيت على الأبواب قالوا كفاية
كفايه ده مفيش حد
وناديت على الأحباب قالوا كفاية
كفايةومين حيرُد»
بعد لحظات فتح الباب..
وسألنى من بالداخل: «إنت مين»؟!
ـ الحلقة الأولى فى صحيفة (المصري اليوم ).. ويُستكمل فى الحلقة القادمة..
ـ الشكر واجب لأسرة تحرير( المصرى اليوم ) وللأستاذ علاء الغطريفى رئيس التحرير.
ـ المصادر :
ـ موجودة فى الصفحة المنشورة فى (صحيفة المصري اليوم) المصاحبة لرحلة البحث عن( تغريبة إبراهيم عامر)