«حريق سنترال رمسيس»... أزمة اتصالات كشفت أزمة إدارة

يوليو 8, 2025 - 21:55
«حريق سنترال رمسيس»... أزمة اتصالات كشفت أزمة إدارة

 بقلم: الأستاذة الدكتورة جيهان رجب 

         أستاذ بجامعة عين شمس 

في صباح الإثنين 7 يوليو، اندلع حريق ضخم في سنترال رمسيس، أحد أهم مرافق البنية التحتية للاتصالات في القاهرة، ما أسفر عن سقوط ضحايا بشرية، وانهيار مؤقت في خدمات الإنترنت والاتصالات الأرضية، إلى جانب تأثر المنظومة الرقمية المالية في عدد من البنوك وشركات الدفع الإلكتروني.لكن الأهم من الحريق نفسه كان طريقة إدارة الأزمة التي كشفت عن ثغرات واضحة في الوقاية، الجاهزية، التواصل، والاحتواء. في هذا التحليل، نستعرض مراحل إدارة الأزمة كما ينبغي أن تكون، ونقارنها بما جرى فعليا.

 المرحلة الأولى: إشارات الإنذار... الفرص الضائعة

قبل الحريق، كانت هناك إشارات متكررة تشير إلى وجود ضعف في البنية الكهربائية للمركز ،مصادر فنية من داخل المصرية للاتصالات تحدثت عن شكاوى سابقة من ارتفاع درجات الحرارة في غرفة المحولات، وتحذيرات من زيادة الأحمال. غياب نظام إنذار مبكر فعّال، مثل مستشعرات الدخان الحراري المتصلة بنظام طوارئ مركزي، كان أول إخفاق واضح.تجاهل التقارير الدورية عن احتياج المركز إلى صيانة كهربائية عاجلة.

ما كان يجب أن يحدث:تقييم دوري للمخاطر.نظام إنذار مبكر متصل بمركز تحكم مركزي.تفعيل الصيانة الوقائية بدلا من الاكتفاء بالصيانة عند الأعطال.

المرحلة الثانية: الانفجار... اللحظة الحرجة

عند اندلاع الحريق في الطابق الأرضي، لم يتم تفعيل خطة الإخلاء بالسرعة المطلوبة. وسادت الفوضى داخل المبنى. استغرقت فرق الدفاع المدني وقتا أطول من المعتاد للوصول، بسبب سوء التنسيق مع فرق الأمن الداخلي للموقع. لم يتم استخدام أي أنظمة رش آلي أو أنظمة إطفاء مدمجة. العاملون لم يتلقوا تدريبات كافية على التصرف في حالات الطوارئ.

ما كان يجب أن يحدث:

تدريب سنوي على سيناريوهات الطوارئ.وجود مسؤول "إدارة أزمات" داخل كل منشأة حيوية.تفعيل خطة الإخلاء بشكل فوري، وإغلاق الطاقة الرئيسية.

 المرحلة الثالثة: احتواء الأزمة... شلل رقمي وتعامل إعلامي متأخر

أدى الحريق إلى توقف الاتصالات والإنترنت عن آلاف المستخدمين. وتوقفت بعض أنظمة الدفع الإلكتروني في البنوك، ما خلق حالة من القلق العام. بلغ مستوى تعطل الخدمة في بعض المناطق 60–70٪ بحسب بيانات NetBlocks. لم تصدر وزارة الاتصالات بيانا رسميا إلا بعد ساعات، في وقت كانت فيه الشائعات تنتشر على مواقع التواصل.

ما كان يجب أن يحدث:

تحويل فوري للخدمات إلى مراكز بديلة (Redundancy & Backup Systems).إنشاء "غرفة عمليات إعلامية" لطمأنة المواطنين وتقديم معلومات دقيقة لحظة بلحظة.إعلان خطة زمنية واضحة لإعادة التشغيل التدريجي.

 المرحلة الرابعة: التعافي والدروس المستفادة

بحلول مساء اليوم التالي، بدأت الخدمات تعود تدريجيا، لكن الأثر النفسي والخدمي كان قد ترسخ في أذهان المواطنين. أعلنت الوزارة أن "البنية الرقمية آمنة وتمت استعادتها". لكن لم يتم حتى الآن إعلان تقرير فني مستقل أو محاسبة علنية لأي جهة مسؤولة.

الدروس المستفادة:

1. جاهزية البنية التحتية لا يجب أن تقاس بعدد الأبراج أو سرعة الإنترنت، بل بقدرتها على الصمود وقت الكارثة.

2. إدارة الأزمات مسؤولية مشتركة: من أول الموظف الفني وحتى الوزير المختص.

3. التواصل الإعلامي عنصر أساسي في السيطرة على الفوضى وليس مجرد إجراء لاحق.

4. التدريب والتكرار هما صمام الأمان لأي منشأة، مهما كانت تقنياتها حديثة.

توصيات للمستقبل:

السلامة المهنية تحديث شامل لنظم الإنذار والإطفاء، مع مراقبة ذكية للأحمال والطاقة.

التدريب إنشاء وحدات لإدارة الطوارئ داخل كل مؤسسة خدمية، وتدريب الموظفين بشكل دوري.

الاستجابة السريعة ربط الجهات المعنية بغرفة طوارئ موحدة تضم ممثلين عن الدفاع المدني، الصحة، والاتصالات.

الشفافية والمحاسبة نشر تقرير فني مستقل عن كل أزمة، يتضمن أسماء المسؤولين والتوصيات اللازمة.

 الحريق عرض... والخلل في المنظومة

ما جرى في سنترال رمسيس يجب ألا ينظر إليه باعتباره حادثا تقنيا فحسب، بل نقطة تحوّل في طريقة فهمنا لأمن البنية التحتية الرقمية في مصر.الأمن لا يتحقق فقط بكاميرات المراقبة والأسلاك الحديثة، بل بالتحليل، الجاهزية، الشفافية، وبناءالإنسان.

الأزمة لم تكن في الحريق، بل في إدارة الحريق

أظهر حريق "سنترال رمسيس" أن مصر ما زالت تفتقر إلى منظومة متكاملة لإدارة المخاطر والأزمات في المرافق الحساسة. الحريق كان اختبارا عمليًا فشلت فيه جهات متعددة، من التخطيط الفني إلى الأداء الميداني والإعلامي.

نأمل أن لا يكون الحريق مجرد عنوان في الأخبار، بل بداية لعملية إصلاح حقيقية تعيد الاعتبار للجاهزية والسلامة والاستجابة الفعالة، وتضع الإنسان والمعلومة في قلب كل خطة وطنية للطوارئ.