قراءة في كتاب «تنامي ظاهرة العنف في المجتمع وعلاجها» للكاتب مدحت مطر

بقلم الباحثة: إنعام العطيوي
(تنمية وامن مجتمعي)
كتب مدحت مطر في كتابه الموسوم "تنامي ظاهرة العنف في المجتمع وعلاجها واطوار التاريخ الانتقالية ومآلات الثورات العربية" والذي تكون من 144 صفحة تطرق فيه الى مظاهر العنف الغير مسبوقة في العالم العربي، والتي تَسببت به الاضلع الثلاثة لاكتمال مشاهد العنف واولها الفراغ العقلي والذهني والثقافي الذي يعيشه الشباب والثاني الفقر والبطالة وغياب الامل في المستقبل والضلع الثالث والاهم هو فقدان الحرية التي تدفع لظهار الانتماء الفرعي للعشيرة والقبيلة على حساب الانتماء الوطني للهوية الجامعة، وعلى اثر هذه الاضلاع الثلاثة الاولى بنيت ظواهر عُنفية منتشرة اغلبها انتشاراً العنف ضد النساء وتزايد العنف الاسري.
اذ تطرق الكاتب الى شرح اسباب العنف ومعانيه اللغوية والدلالية ومنظور العنف من الناحية الاسلامية وكذلك من الناحية الاجتماعية مرتكزاً فيها على تعريف العالم (لوكا) للعنف عبر مؤلفهِ الموسوم (اليات منطق العنف) في صفحة (13) "بأنه انفجار القوة التي تعتدي بطريقة مُباشرة على الاشخاص وامتعتهم سواء كانوا افراداً او جماعات من اجل السيطرة عليهم عن طريق القتل او التحطيم او الاخضاع او الهزيمة" فالعنف من المنظور الاجتماعي هو كل ايذاء يحدث بالقول او بالفعل للأخر سواء كان هذا الاخر فرداً او جماعة، فهي بكل الاحوال ظاهرة لا تقبل التبسيط والتسطيح لأنها وليدة مجموعة من العوامل والادوات المركبة، ويحدث نتيجة خلل في سياق صانعهِ نتيجة اسباب نفسية او اقتصادية او اجتماعية او سياسية اعتقاداً منه بتحقيق الاهداف، الا ان العنف يعد انتهاك صريح لكل النواميس الاجتماعية وهو من الاسلحة الخطيرة التي حددت التعاملات الاجتماعية فهو يقوض مكاسب المجتمع ويربك انجازات المواطنة ويعرقل الحياة الاجتماعية والسياسية والتنموية.
واوضح الكاتب عمق الترابط بين العنف والثقافة فالأنسان القادر على ممارسة العنف هو ايضاً قادر على عدم فعلهِ كون الثقافة هي من تحدد طبيعة فعل الانسان سواء كان بيده او لسانه ومما لا شك فيه ان اكتساب السلوك العنفي او اللاعنفي يكون من خلال الثقافة التي توجه المجتمع وتحكمهُ والادوات والضوابط ومعايير العنف السائدة في محيطهِ لذى يُعد العنف ظاهرة مُجتمعية لديها جذور ثقافية وتاريخية في المجتمع، كما قارن الكاتب علاقة العنف بالعدوان وهو ميل الفرد او الجماعة الكامن للعدوان وهو اعم واشمل من العنف، وكذلك ابرز العلاقة بين العنف والارهاب مستنداً فيه الى راي الشيخ يوسف القرضاوي ان كل ارهاب عنف وليس كل عنف ارهاب، متوصلاً في كتابهِ هذا الى ان العنف من الظواهر المجتمعية الخطيرة التي بحاجة الى انهاء اسبابها والقضاء على موجباتها وتفكيك بيئاتها المخصبة والمتسببة بانتشارها مشيراً الى الاسباب الاكثر انتشاراً وهي (الاسباب الدينية والثقافية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية)، اذ لا غرابة بأن الرؤية المتطرفة تتغذى من طبيعة الاختيارات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية السائدة في المجتمع والتي تترك تأثيراتها على المستوى النفسي والاجتماعي والثقافي فبعض الآراء في المجتمعات العربية لبروز ظاهرة العنف هو طبيعة الرؤية الدينية التي تنظر للواقع الراهن رؤية تشاؤمية سوداوية رافضة للتنوع وتحارب الانفتاح الثقافي والتقدم وتخزن امكانيات كبيرة لممارسة النبذ والاقصاء والعنف تجاه التنوع المختلف عنها.
في حين ان الثقافة السياسية والاجتماعية هي الاخرى تعد بيئة خصبة لإنتاج ظاهرة العنف في المجتمعات العربية لذا فان السبب الديني والثقافي تصدر اول اسباب ظاهرة العنف الناتج من التعصب الديني مع الجمود الثقافي والجفاف الفكري وتوظيف النصوص الدينية لنوازع السلطة السياسية المترجمة بظواهر عُنفية محاربة للتعدد والتنوع لا تعترف بالأخر، اما الاسباب السياسية فتشكلت في غياب السياسة الوطنية السليمة والمشاركة الشعبية الديمقراطية مع تواجد التوترات بين الاطراف يفسح المجال لانفلات العدوان المتبادل بين المكونات والحقول السياسية فتحول الفضاء السياسي والاجتماعي الى وعاء للعديد من النزاعات المجردة من القيم الانسانية والاخلاقية فلا بد من نبذ الاقصاء السياسي للمكون الاخر وفسح مجال التشارك الديمقراطي فالنهج السياسي المعتدل الذي يتعاطى مع الامور والحقائق السياسية والاجتماعية بعقلية منفتحة ومتسامحة هو القادر على ضبط نزعات العنف.
من جانب اخر عُدت الاسباب الاقتصادية والاجتماعية للعنف تبرز مع ظاهرة هبوط مؤشرات التنمية وتدهور معدلات التوازن في توزيع الثروات فالتدهور الاقتصادي يقود الى تصعيد اجتماعي خطير تتحول عبرها حالات التهميش الاقتصادي الى قنبلة قابلة للانفجار فالمجتمعات التي تعيش حالة ضنك اقتصادي تنتقل الى مرحلة السلوك المضطرب تنتعش فيها الازمات الفجائية وتزداد فيها الانحرافات الاجتماعية فالفقر لا يقود للاستقرار والامان بل يكون مُجتمع صالح لانتشار العنف والتمرد ومظاهر جديدة للعنف.
كما تطرق الكاتب الى التقدم العلمي والتقني في احتواء ظاهرة العنف بتعريف العنف الحديث هو الحاق الاذى والضرر بكائن او مجموعة بشرية بحيث يكون هذا الضرر اما مادياً او جسمياً او نفسياً او معنوياً عبر وسائل مختلفة تسبب للمتلقي الماً وخسائر فقد يكون هذا الالم نزاع للممتلكات المعنوية او تعذيباً جسمياً او اهانة نفسية وتشمل هذه الطرق المذكورة (التعذيب الجسمي او التهديد والمساومة او التجويع والجرح والضرب والكسر والقتل وكذلك الاسكات عن الحقائق بالمطالبة بالحقوق والافحام والتكذيب والسب والطعن واللعن) موضحاً اشكال العنف المتمثلة بالعنف الفردي والجماعي والديني والسياسي.
كما وتطرق الكاتب الى الحلول النبوية والاسلامية لمشاكل العنف والارهاب والنهي عن العنف ضد النساء والخدم وحرم سفك الدماء والقتل والترويع وعزز دور الاسلام في محاربة العنف عبر الوقاية منهُ واكد على العدالة في الوقاية من العنف ثم ختم كتابهِ في الاطوار التاريخية والانتقالية للثورات في الوطن العربي وما آلت اليه.
في حين تطرق الكاتب في الصفحة 51 من كتابهِ الى كيفية معالجة ظاهرة العنف والقضاء عليه عبر المبادئ العامة للعلاج وهي:-
- العناية بالفئات الهشة الاكثر قابلية لتقبل مثيرات العنف ومحاولة الخفض من هذه المثيرات.
- تركيز الدراسات العلمية لاكتشاف الاسباب النفسية والاجتماعية التي بحاجة للعلاج
- اعطاء الفرصة لكافة الفئات للتعبير عن نفسها بشكل يضمن لهم الامن ويقلل من فرص اللجوء الى العنف
- التدريب على المهارات الاجتماعية ومهارات التواصل والتفاعل الاجتماعي ومهارة تحمل الاحباط التي تقلل من المواجهات الحادة مع الاخرين .
- استخدام العقاب المناسب للعنف فهو يقلل من تكرار سلوك العنف فهناك ارتباط شرطي بين العنف والعقاب ذلك لان الفترة الزمنية الطويلة بين العنف والعقاب او اذا كان العقاب غير مناسب للفعل العنفي فهو يؤدي الى نتائج عكسية قد تسبب من اتشار وتزايد حالة العنف وارتفاع خطورتها.
- استخدام اسلوب الاستجابة المغايرة عبر مواجهة السلوك العنفي بسلوك مغاير وذلك يؤدي الى ايقاف العنف وتقليل من العداوة.
- استخدام العلاج الدوائي وهو متخصص فقط للمصابين بحالات الاضطراب النفسي .
- استخدام اسلوب الاصلاح السياسي الحقيقي بشكل سريع وبدون خوف او تردد واستخدام النظام الديمقراطي التعددي يستوعب كل الالوان السياسية والاجتماعية دون نبذ او استبعاد او الغاء
- الكف عن اغتصاب السلطة التنفيذية او التشريعية عبر تزوير الحقائق والتي تكون السبب الرئيسي لتحويل المجتمع نحو الانفجار
- الغاء قانون الطواريء الذي يتسبب بتزايد حالات العنف والاحتقان الامني والسياسي الغير مبرر له
الالتزام بقوانين حقوق الانسان في التعامل مع المواطنين ومحاسبة كل من ينتهك حقوق الانسان من المنتمين الى الاجهزة الامنية، والابتعاد عن الصراعات السياسية والطائفية والتعامل مع جميع المواطنين بالتعادل والحيادية
- التركيز على استعادة ثقة المواطن في الاجهزة الامنية وتشجيعه على ان يكون عونا للأجهزة للسيطرة على المجاميع الارهابية والخارجة عن القانون.
- استعادة دور المؤسسات التربوية وتطوير التعليم بما يخدم مصلحة المواطن
- اشاعة قيم التسامح والصداقة والعدل والرحمة وغيرها من الاخلاق في الوسائل الاعلامية وايقاف الاستفزازات الاعلامية والتضليل والخداع وتغيير الحقائق لأنها تتسبب بأثارة الراي العام واحداث نتائج عكسية
- محاربة الفكر الديني المتطرف والكف عن اللعب على الوتر الطائفي واشاعة قيم المحبة وقبول الاخر المختلف والكف عن الشحن الطائفي بكل الوسائل
- التركيز على رعاية الابناء واشاعة التفاهم والقيم وتعليم الابناء تقبل الاختلافات ومهارات حل الصراعات ونشر القيم الرفيعة في المجتمع