تصاعد خطير في المشهد الأمني بمالي.. حصار باماكو يكشف فشل العمليات الروسية واتساع رقعة اللاجئين
تواجه مالي واحدة من أخطر مراحلها منذ عقد، مع تدهور الوضع الأمني وتوسع نفوذ الجماعات المسلحة، وعلى رأسها جماعة نصرة الإسلام والمسلمين، التي تمكنت خلال الأسابيع الأخيرة من إحباط عمليات الجيش المالي والقوات الروسية الحليفة المعروفة باسم «إفريقيا كوربس»، وإعاقة تقدّمها في مناطق حيوية مؤثرة.
وكشف تقرير لمجلة "نيوزويك" عن نجاح الجماعة في فرض حصار غير مباشر على العاصمة باماكو، عبر استهداف قوافل الوقود وخطوط الإمداد، مما تسبب في ضغوط متزايدة على النظام العسكري الحاكم وخلق حالة من القلق الشعبي والرسمي معًا.
وتشير تقديرات نقلتها رؤية الإخبارية إلى أن التدهور الأمني ينذر بانهيار مؤسسات الدولة إذا استمرت وتيرة الهجمات. ويرى الباحث الروسي أنطون مرداسوف أن موسكو باتت أمام اختبار حقيقي يشبه تجربتها في سوريا، مشددًا على أن فرض الرؤية الروسية على السلطة المالية أصبح أكثر ضرورة من الانخراط في عمليات عسكرية محفوفة بالتعقيدات.
وكانت مالي قد اعتمدت لسنوات على الدعم الفرنسي منذ تمرد الطوارق عام 2012، قبل أن تتغيّر المعادلة بالكامل عقب انقلابي 2020 و2021 ووصول أسيمي غويتا إلى الحكم، ثم خروج القوات الفرنسية عام 2022. ومنذ ذلك الوقت توسع التعاون العسكري بين مالي وروسيا، وتم دمج عناصر «فاجنر» ضمن تشكيل «إفريقيا كوربس» بعد وفاة يفغيني بريغوجين.
وفي يوليو الماضي، قدّرت الاستخبارات البريطانية وجود نحو 2000 مقاتل روسي داخل مالي مدعومين بأكثر من 100 قطعة عسكرية ثقيلة. ورغم هذا الحجم من الدعم، اعترفت باماكو بتكبّد خسائر كبيرة خلال معركة مع انفصاليي الطوارق والجماعة المسلحة، التي أعلنت مقتل 50 عنصرًا روسيًا و10 جنود ماليين.
وتسعى روسيا لتعزيز حضورها في إفريقيا مستندة إلى الرفض الشعبي للوجود الغربي، واستمرت في توقيع اتفاقيات أمنية ونووية مع مالي كان آخرها خلال زيارة غويتا لموسكو. إلا أنّ الجماعات المتطرفة وسّعت استراتيجيتها، خصوصًا عبر اختطاف الأجانب من جنسيات مختلفة – بينها صينية وهندية ومصرية وإماراتية وإيرانية وصربية وكرواتية وبوسنية – فيما تسميه «الجهاد الاقتصادي»، بهدف ضرب الاقتصاد المالي وإرباك أي خطط لجذب الاستثمار. وأفاد راديو فرنسا الدولي بأن بعض المختطفين أُفرج عنهم، بينما لا تزال أعداد أخرى غير معلنة بدقة.
وامتدت تداعيات الأزمة إلى دول الجوار، حيث أعلنت كوت ديفوار تعزيز إجراءاتها الأمنية على الحدود الشمالية بعد تدفّق غير معتاد للاجئين الفارّين من جنوب مالي. وأكد بيان حكومي أن الهجمات المتصاعدة على المدنيين دفعت آلاف الأسر إلى النزوح، مشيرًا إلى أن السلطات الإيفوارية تعمل على تسجيل اللاجئين وتقديم الدعم اللازم لهم في ظل وضع إقليمي يزداد تعقيدًا.