د. أيمن إمام يكتب: النوم والاستشفاء الحيوي… مركز القيادة في تجديد الجسم والعقل
بعد مقال الأسبوع الماضي عن “النشاط البدني: الدواء الصامت الذي يعيد ضبط الجسم من الداخل”، ننتقل اليوم إلى ركيزة أساسية لا تقل أهمية: الاستشفاء الحيوي أثناء النوم. فهي المرحلة التي يعمل فيها الجسم في “الوضع الصامت” لكن بأقصى درجات الكفاءة لإصلاح الخلايا، تنظيم الهرمونات، وتقوية الدماغ.
ما هو الاستشفاء الحيوي ولماذا يحدث أثناء النوم؟
الاستشفاء الحيوي يشمل جميع العمليات التي يقوم بها الجسم لإصلاح التالف وتجديد الطاقة بعد يوم مليء بالنشاط البدني والعقلي، ويتركز الجزء الأكبر منه أثناء النوم العميق. خلال هذه الفترة، تتم إعادة بناء الخلايا، وضبط الهرمونات، وتحفيز الجهاز المناعي، مما يضمن استعداد الجسم ليوم جديد بأداء أفضل.
خلال النوم، يرتفع إفراز هرمون النمو المسؤول عن إصلاح العضلات وتجديد الأنسجة، وتصبح خلايا الدماغ أكثر كفاءة في إزالة السموم البروتينية عبر نظام جليمفاتيك وهو نظام تنقية فى المخ يعمل كشبكة صرف صحى لإزالة الفضلات والسموم العصبية ، الأمر الذي يحافظ على الذاكرة والتركيز والوضوح العقلي.
وتثبت الأدلة العلمية الحديثة أن أكثرمن ٦٠-٧٠ ٪ من عمليات الإصلاح الخلوى تتم ليلا أثناء النوم ، وأن غياب النوم الكافى يعطل قدرة الجسم على التعافى حتى مع ممارسة الرياضة أو تحسن التغذية.
كما أظهرت دراسة منشورة فى مجلة لانسيت الطبية أن النوم غير الكافى يرتبط بارتفاع الالتهابات الجهازية ، وانخفاض كفاءة الجهاز العصبى الذاتى الجار سيمبثاوى المسؤول عن الاستشفاء ، وضعف قدرة العضلات على التعافى بعد التمارين .
١) الجهاز العصبي… من حالة “الإنذار” إلى الاسترخاء العميق
خلال النوم العميق ينتقل الجسم من وضع التوتر المزمن إلى وضع الاسترخاء، حيث ينخفض إفراز الكورتيزول وكذلك الجهاز العصبى الذاتى السيمبثاوى المسؤول عن التوتر بينما يزداد نشاط الجهاز العصبي الذاتى الجارسيمبثاوى المسؤول عن الهدوء والاستشفاء.
هذه المرحلة تساعد على تهدئة الالتهابات، تحسين المزاج، ودعم وظائف القلب والمناعة. الأشخاص الذين يفتقدون هذا التوازن الليلي غالبًا يعانون من تشتت ذهني، توتر متكرر، ومناعة أقل فاعلية.
نشرت كلية طب هارڤارد مراجعات تظهر أن النوم العميق يخفض الكوتيزول بنسبة ٣٠٪ ويعد توازن الجهاز العصبى ، مما يحسن المزاج ويقلل القلق .
كما أظهرت دراسة نشرت فى مجلة چاما للطب النفسى أن اضطرابات النوم مرتبطة بزيادة الاكتئاب بنسبة ٧٠% عبر آليات تشمل فرط تنبيه الجهاز العصبى المركزى .
٢) ترميم العضلات وتجديد الخلايا… المختبر الليلي لإصلاح الجسم
خلال النوم يرتفع إفراز هرمون النمو ويبلغ ذروته أثناء مرحلة النوم العميق ، وهو الهرمون المسؤول مباشرة عن اصلاح العضلات ، فالنوم العميق يرفع قدرة الجسم على تخليق البروتين العضلي وإصلاح الألياف المتضررة بعد التمرين، ويملأ مخازن الطاقة ويخفض الالتهابات.
بدون هذا الاستشفاء الليلي، تقل فوائد الرياضة بشكل واضح، ويصبح الجهد البدني أقل فاعلية في تحسين اللياقة وبناء العضلات.
فى دراسة منشورة فى مجلة علم وظائف الاعضاء التطبيقى أثبتت أن الحرمان من النوم لمدة ليلتين فقط يقلل معدل تخليق البروتين العضلى بنسبة ١٨٪.
واكدت مراجعات الطب الرياضى أن اللاعبين الذين ينامون من ٧-٨ يوميا يحصلون على تعافى اسرع ، وانخفاض فى الام العضلات المتأخرة.
لهذا يعتبر النوم عنصرا أساسيا فى فى برامج الرياضة .
٣) الهرمونات والمناعة… إعادة برمجة الجسم من الداخل أثناء النوم
يتحسن توازن هرمونات الشبع والجوع (اللبتين والغريلين)
تعود حساسية الإنسولين إلى مستويات أفضل تنشط الخلايا المناعية المسؤولة عن مكافحة العدوى يقوم الدماغ بتنظيف نفسه من بروتينات قد تتراكم مسببة مشاكل عصبية مستقبلية
غياب النوم الكافي يؤدي إلى اضطراب هذه الأنظمة، ما يزيد التعب، الجوع، الالتهابات، ويضعف التركيز.
أكدت منظمة النوم الأمريكية أن نقص النوم يؤدى إلى إنخفاض اللبتين ( هرمون الشبع )، وإرتفاع الجريلين ( هرمون الجوع ) وزيادة مقاومة الأنسولين بنسبة ٢٠-٣٠٪ خلال خمسة أيام فقط.
وفى دراسة منشورة فى مجلة ناتشر للعلوم العصبية أثبتت أن النوم يعزز نشاط الخلايا المناعية القاتلة الطبيعية المسؤولة عن المناعة بنسبة ٣٠-٤٠٪.
علامات ضعف الاستشفاء الحيوي شعور بالتعب المستمر
- ضعف المناعة وارتفاع الالتهابات
- ثبات الوزن رغم الالتزام بالنظام الغذائي
- آلام عضلية متكررة
- تشتت ذهني وتقلبات مزاجية .
أكدت مراجعة منشورة فى المجلة الطبية البريطانية أن هذه الأعراض مرتبطة مباشرة بقلة النوم وارتفاع الالتهاب المزمن منخفض الدرجة .
خطوات لتعزيز الاستشفاء الحيوي خلال النوم
- الالتزام بمواعيد ثابتة للنوم والاستيقاظ .
- تقليل الإضاءة قبل النوم لتسهيل إفراز الميلاتونين .
- تجنب الشاشات ( التلفزيون -اللاب -الموبايل )قبل النوم بساعة على الأقل .
- تجنب الطعام الثقيل قبل النوم بثلاث ساعات .
- ممارسة تقنيات الاسترخاء مثل التنفس العميق أو التأمل
- ضبط حرارة الغرفة على برودة معتدلة (١٨–٢٠°).
- ممارسة نشاط بدني معتدل خلال اليوم لزيادة جودة النوم العميق .
- التعرض للضوء الطبيعى أثناء النهار يساعد على ضبط الساعة البيولوجية وتحسين جودة النوم الليلى .
الخلاصة
النوم ليس مجرد راحة، بل هو مركز القيادة الحيوي لإعادة بناء الجسم والعقل. خلال هذه المرحلة، تتجدد الخلايا، تُعاد برمجة الهرمونات، ويصبح الدماغ أكثر قدرة على التركيز.
ممارسة الرياضة أو التغذية الجيدة لا تعطي نتائج كاملة إذا لم يحصل الجسم على نوم كافٍ ومنظم، لأن الاستشفاء الحيوي هو أساس الصحة الفعلية والطاقة اليومية.