د. أيمن إمام يكتب: التوتر… المبدأ الرابع من طب نمط الحياة.. عندما ينتقل الجسم من وضع النجاة إلى وضع الازدهار؟

ديسمبر 14, 2025 - 10:39
د. أيمن إمام يكتب: التوتر… المبدأ الرابع من طب نمط الحياة.. عندما ينتقل الجسم من وضع النجاة إلى وضع الازدهار؟

بعد أن وضعنا في المقالات السابقة أساس فهم طب نمط الحياة—ابتداءً من تعريفه ودوره في تغيير مسار الأمراض المزمنة، مرورًا بتطبيقاته العملية، ثم التعمق في ركائزه : التغذية الذكية، الحركة، والنوم والاستشفاء الحيوي—نصل اليوم إلى المبدأ الرابع من طب نمط الحياة والذى لا يقل أهمية، بل يُعَدّ همزة الوصل بين الجسد والعقل: *إدارة التوتر* .

فالتوتر ليس مجرد حالة نفسية، بل تفاعل فسيولوجي كامل يعيد تشكيل طريقة عمل الجسم.

 *الجهاز العصبي يعمل وفق نموذجين أساسيين منذ آلاف السنين:* 

 *وضع النجاة يسيطر عليه الجهاز العصبى اللاإرادى السيمبثاوى (Sympathetic):* 

 يرفع نبض القلب، يزيد اليقظة، ويرفع مستويات الكورتيزول للاستعداد للهجوم أو الهروب.

 *وضع الازدهار يسيطر عليه الجهاز العصبى اللاإرادى البارسيمبثاوى (Parasympathetic):* 

 المسؤول عن الهضم الجيد، النوم العميق، إعادة بناء الخلايا، ورفع كفاءة المناعة.

التحدي الحديث أننا—بعكس أسلافنا—لا نرجع بسهولة إلى "وضع الازدهار".

 ضغوط العمل، العلاقات، التزامات الحياة، الإشعارات المتلاحقة، وقلة النوم… كلها تجعل أغلب الناس يعيشون معظم يومهم في “وضع النجاة”.

 ومع تراكم هذه الحالة، يتحول الكورتيزول من آلية حماية قصيرة المدى إلى عامل ضغط مزمن يعطّل وظائف كثيرة في الجسم.

 *كيف يؤثر التوتر المزمن على صحة الإنسان؟* 

عندما يظل الجسم في وضع النجاة لفترة طويلة، تتغير عدة منظومات حيوية:

١. زيادة الالتهاب الجهازي

ارتفاع الكورتيزول بشكل مزمن يرفع مستويات البروتينات الالتهابية( السيتوكينات) مما يؤدى إلى مايسمى الالتهاب الجهازى ( الالتهاب الخفي)، مما يرتبط بارتفاع مخاطر الأمراض المزمنة مثل السمنة، مقاومة الإنسولين، وأمراض القلب.

٢. ضعف المناعة

يقلّ نشاط الخلايا المناعية، ويصبح الجسم أكثر قابلية للإصابة بالعدوى. لهذا نلاحظ أن أكثر الناس توترًا هم أكثر الناس عرضة لنزلات البرد المتكررة أو بطء التئام الجروح.

٣. اضطراب الهرمونات

التوتر يؤثر في محور HPA ( محور تحت المهاد بالمخ (hypothalamus )-الغدة النخامية - الغدة الكظرية ) المسؤول عن تنظيم الهرمونات، فيؤدي لخلل في الشهية والنوم والدورة الشهرية والوزن.

٤. تأثير مباشر على الدماغ

يرتفع نشاط اللوزة الدماغية ( جزء صغير من المخ يقع فى الفص الصدغى) المسؤولة عن الخوف واليقظة الزائدة، بينما يقل نشاط القشرة الجبهية المسؤولة عن اتخاذ القرار الهادئ، مما يجعل الشخص أكثر اندفاعًا وأقل قدرة على التركيز.

 *كيف نعيد الجسم من وضع النجاة إلى وضع الازدهار؟* 

هذه هي جوهر المبدأ الرابع في طب نمط الحياة:

 تدريب الجسم على التحول الإرادي إلى وضع الازدهار عبر تقنيات مثبتة علميًا.

١. التنفس البطني العميق (٩٠ ثانية تكفي!) يزيد نشاط العصب الحائر ، ويخفض الكورتيزول، ويعيد التوازن بين الجهازين السمبثاوي والباراسمبثاوي.

٢. النوم المنتظم النوم يعيد ضبط محور HPA، ويخفض الالتهاب، وهو أكثر وسيلة فعالة لاستعادة الهدوء الداخلي.

٣. الحركة اليومية المعتدلة

المشي ٣٠ دقيقة يوميًا يخفّض الكورتيزول ويزيد السيروتونين، ويعزز قدرة الجسم على التعامل مع الضغوط.

٤. العلاقات الداعمة تثبت الأبحاث أن علاقة إنسانية واحدة آمنة يمكنها خفض تفاعل التوتر بنسبة قد تصل إلى ٥٠٪. 

٥. إدارة الضغوط الذهنية مثل:

التأمل الواعي،الكتابة التعبيرية،إعادة صياغة الأفكار السلبية 

٦. تقليل “مثيرات التوتر الحديثة” الإشعارات، المقارنات الاجتماعية، الإفراط في الشاشات، تعدد المهام… كلها تزيد نشاط وضع النجاة بصورة غير واعية.

 *الخلاصة* 

إدارة التوتر ليست رفاهية نفسية، بل وظيفة بيولوجية تُعيد الجسم من وضع الاستنزاف إلى وضع التجديد.

 وعندما يتوازن الجهاز العصبي، تبدأ كل أنظمة الجسم—الهضم، المناعة، النوم، الهرمونات—في العمل بكفاءة أعلى.

ابدأ اليوم بتخصيص ٩٠ ثانية فقط للتنفس العميق، وراقب كيف سيتغير تفاعل جسدك مع الحياة. فصحتك لا تكمن فقط فيما تأكله أو تمارسه، بل في السكينة التي تمنحها لجهازك العصبي.