د. أيمن إمام يكتب: طب نمط الحياة… عندما يصبح الامتناع عن الخطأ بداية الطريق إلى الصحة

ديسمبر 28, 2025 - 20:00
د. أيمن إمام يكتب: طب نمط الحياة… عندما يصبح الامتناع عن الخطأ بداية الطريق إلى الصحة

 المبدأ السادس والختامي: القرار الذي يحمي ما نبنيه داخل أجسادنا

في خضم التقدم الطبي المتسارع، لا تزال الأمراض المزمنة المرتبطة بنمط الحياة تمثل العبء الأكبر على صحة الأفراد وعلى الأنظمة الصحية حول العالم. وقد جاءت هذه السلسلة لتسلّط الضوء على طب نمط الحياة بوصفه إطارًا علميًا عمليًا، لا يكتفي بإدارة الأعراض، بل يستهدف الجذور البيولوجية والسلوكية للمرض.

ومع الوصول إلى المبدأ السادس والأخير، نكتشف أننا أمام الركيزة التي لا تُكمل المنظومة فحسب، بل تحمي أثر جميع المبادئ السابقة وتمنع تقويضها: الامتناع عن السلوكيات الضارة بالصحة.

 السلوكيات الضارة: كيف تهدم ما نبنيه بصمت

السلوكيات الضارة ليست مجرد “عادات سيئة”، بل عوامل نشطة تُبقي الجسم في حالة مستمرة من:

- الالتهاب منخفض الدرجة

- الإجهاد العصبي

- الاختلال الهرموني

- ضعف كفاءة المناعة والاستشفاء الخلوي

وهي آليات ثبت ارتباطها المباشر بتسارع الإصابة بأمراض القلب، السكري، السمنة، واضطرابات الصحة النفسية. والمفارقة أن كثيرًا من هذه السلوكيات يُمارَس بدافع التكيف مع ضغوط الحياة، بينما نتيجته النهائية هي استنزاف صامت للصحة على المدى الطويل.

 التدخين والكحول: النموذج الأوضح للأذى المتراكم

يُعد التدخين أحد أكثر العوامل السلوكية ارتباطًا بزيادة معدلات أمراض القلب والرئة والسرطان، ليس فقط لتأثيره المباشر على الأوعية الدموية والرئتين، بل أيضًا لدوره في:

- تعطيل الاستشفاء الخلوي

- إضعاف جودة النوم

- تشويه التوازن الأيضي

 أما الكحول، فرغم قبوله اجتماعيًا في بعض البيئات، فإن تأثيره البيولوجي يتجاوز الكبد ليشمل:

- اضطراب الجهاز العصبي

- تدهور الصحة النفسية

- ضعف المناعة

- زيادة مخاطر الحوادث والأمراض المزمنة

ومن منظور طب نمط الحياة، فإن الامتناع عن هذه السلوكيات لا يُقدَّم كحرمان، بل كتحرير للجسم من عبء مزمن يمنعه من التعافي والعمل بكفاءته الطبيعية.

 الخطر الصامت: سلوكيات يومية مُقنَّعة

لا يقتصر الأذى على السلوكيات الواضحة، بل يمتد إلى ممارسات يومية شائعة، مثل:

- الإفراط في الأطعمة فائقة التصنيع والسكريات

- الجلوس المطوّل وقلة الحركة

- السهر المزمن واضطراب إيقاع النوم

- الاعتماد على المنبهات لتعويض الإرهاق بدل علاجه

هذه السلوكيات، وإن بدت “طبيعية”، فإن تراكمها المستمر يُبقي الجسم في حالة خلل وظيفي مزمن، ويمنع الوصول إلى التعافي الحقيقي حتى مع أفضل الخطط العلاجية.

 الامتناع الواعي: جوهر التغيير المستدام

ما يميز طب نمط الحياة أنه لا يعتمد على التخويف أو اللوم، بل على: الفهم، والتمكين، والاختيار الواعي.

فالإنسان لا يغيّر سلوكه لأنه “ممنوع”، بل لأنه أدرك أن هذا السلوك:

- يستهلك طاقته الحيوية

- يقوّض توازنه الداخلي

- يؤثر مباشرة على جودة حياته

وعندها يصبح الامتناع قرارًا نابعًا من الوعي، لا التزامًا مؤقتًا سرعان ما ينهار.

 المبدأ السادس في قلب المنظومة 

 الامتناع عن السلوكيات الضارة ليس مبدأً منفصلًا ، بل هو ما:

- يسمح للتغذية الذكية بأن تؤتي ثمارها

- يجعل النشاط البدني أكثر فاعلية

- يفتح الباب لنوم عميق واستشفاء حقيقي

- يخفف العبء عن الجهاز العصبي في إدارة التوتر

- يدعم استقرار العلاقات الإنسانية

إنه المبدأ الذي يحرس المبادئ الخمسة السابقة ويمنع تقويضها من الداخل.

 ختام السلسلة: من علاج المرض إلى صناعة الصحة

مع هذا المبدأ السادس، تكتمل مبادئ طب نمط الحياة كمنظومة متكاملة، تعيد تعريف الصحة من كونها مجرد غياب للمرض، إلى كونها حالة من التوازن الجسدي والنفسي والاجتماعي.

 لقد أثبتت هذه المبادئ أن : الصحة لا تُصنع في العيادة وحدها ولا في الوصفة الطبية فقط بل في القرارات اليومية الصغيرة التي تتراكم مع الوقت فطب نمط الحياة لا يضيف سنوات إلى العمر فحسب، بل يضيف حياة حقيقية إلى هذه السنوات.

 وبهذا نختتم هذه السلسلة، على أمل أن تكون دعوة واعية للعودة إلى الأساس…

نمط حياة يصنع الصحة قبل أن يبحث عن علاج.