أحلام القبيلي تكتب: ليه يا زمان ماسبتناش ابرياء

Sep 15, 2025 - 23:09
أحلام القبيلي تكتب: ليه يا زمان ماسبتناش ابرياء

قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "عجبت لمن لم يجد قوت يومه كيف لا يخرج على الناس شاهراً سيفه." 

كأن هذه الكلمات الخالدة تلخص حكاية أجيالٍ كاملة، وصرخة ضحايا لم يولدوا مجرمين، بل وُلدوا أبرياء كالأطفال جميعاً، ثم خطفتهم قسوة الحياة. 

ألم تسأل نفسك يوماً كما غنّت ليلى مراد في مقدمة مسلسل ليالي الحلمية:

"ليه يا زمان مسبتناش أبرياء؟"

سؤال بسيط، لكنه يختصر رحلة الإنسان من البراءة إلى الانكسار، ومن الطفولة التي تشرق بالضحك إلى الرجولة التي يثقلها الجوع والقهر.

ولعل الفن كان أصدق من صوّر هذه المأساة. 

ففي فيلم "جعلوني مجرماً" رأينا شاباً بريئاً يقع ضحية تهمة لم يرتكبها، فيُلقى في السجن، وهناك يتعلم الجريمة من أبوابها السوداء.

وحين يخرج إلى المجتمع، لا يجد من يصدقه أو يمنحه فرصة ثانية، فيضطر أن يعيش "الدور" الذي أُجبر عليه. 

إنها ليست مجرد قصة سينمائية، بل حكاية آلاف البشر الذين صنعتهم الأقدار قسراً. 

إننا حين نتأمل هذه الصور ندرك أن المجرم ليس دائماً نتاج اختيارٍ حر، بل كثيراً ما يكون ابناً شرعياً لظروفٍ جائرة. 

الفقر حين يطعن الكرامة، يدفع بالبعض إلى طرقٍ لم يكونوا ليقتربوا منها. 

الظلم حين يلاحق البريء، قد يحوله إلى متهمٍ حقيقي. 

القهر حين يتراكم، يولد نقمةً تبحث عن متنفس، حتى لو كان في الظلام. 

ألسنا نحن – كمجتمع – شركاء في هذه الجريمة حين نغلق الأبواب في وجوه المظلومين، ونحاصر الفقراء بالنظرات القاسية؟ 

ألسنا نحن من يدفع الأبرياء دفعاً إلى الهاوية ثم نقف لنجلدهم بألسنتنا؟ 

قال دوستويفسكي: "الفقر هو الجريمة الحقيقية التي تلد كل الجرائم."

وكأنها تتمة لذلك السؤال الغنائي المرير: ليه يا زمان مسبتناش أبرياء؟

 

إن لم نصنع للإنسان بيئة تحمي براءته، وتمنحه فرصة عادلة في الحياة، فلن نستغرب أن يتحول المظلوم إلى مجرم، والمقهور إلى متمرد، والبريء إلى نسخةٍ باهتة من نفسه. 

فلنحفظ البراءة قبل أن نفقدها، ولنزرع العدل قبل أن نستفيق على جريمة نحن أول من شارك في صناعتها.