مكتبة القاهرة الكبرى تحتفي بثورة 23 يوليو برؤية ثقافية شاملة ومداخلات فكرية وأدبية

كتب: مصطفى صلاح
احتفلت مكتبة القاهرة الكبرى، مساء الأربعاء، بذكرى ثورة 23 يوليو المجيدة، من خلال أمسية ثقافية وفكرية مميزة، نظّمتها وزارة الثقافة ممثلة في قطاع شؤون الإنتاج الثقافي، برئاسة الكاتب يحيى رياض يوسف، وبحضور نخبة من المثقفين والأدباء والإعلاميين.
استُهلّت الاحتفالية بكلمة الكاتب عبد الله نور الدين، مسؤول النشاط الثقافي والفني بالوزارة، حيث استعرض سيرة الأميرة سميحة حسين، مالكة القصر الذي تحوّل لاحقًا إلى المكتبة العريقة، وأشار إلى رمزية الثورة في الأدب والسينما المصرية، مؤكدًا أن روايات نجيب محفوظ وإحسان عبد القدوس، وكذلك أعمال يوسف السباعي، تنبّأت بزخم الثورة، وتجسّدت في أفلام خالدة مثل "في بيتنا رجل" و"رد قلبي"، حيث كانت السينما في تلك المرحلة ضميرًا حيًا للشعب.
بدورها، ألقت الإعلامية البارزة سحر سامي، من الهيئة الوطنية للإعلام، كلمة مؤثرة وصفت فيها ثورة يوليو بأنها لحظة فاصلة في التاريخ المصري، عبّرت عن تطلعات الشعب نحو الحرية والعدالة الاجتماعية، مؤكدة أن الجيش والشعب توحدا لتحقيق أهداف الثورة. كما حيّت الأميرة سميحة على موقفها النبيل بتبرعها بالقصر للدولة، ليصبح منارة ثقافية، وأشادت بدورها في تأسيس مدرسة الفنون الجميلة إلى جانب الأمير يوسف كمال.
سحر سامي سلّطت الضوء أيضًا على الجانب الإنساني العميق لتجربة الثورة، مشيرة إلى أن نكسة 1967، رغم قسوتها، فجّرت طاقات فنية وأدبية، وتحول الفن إلى صوت الضمير الجمعي، واستشهدت بخطاب التنحي للرئيس جمال عبد الناصر، الذي بقي محفورًا في وجدان العرب جميعًا، مشددة على أن تلك الفترة شهدت ميلاد موجة من الأغاني الوطنية الحزينة والقصائد التي جمعت بين الحزن والأمل، ما يعكس تلاحم الثقافة مع الوجدان الشعبي في لحظات الانكسار والنهضة.
أما الجزء الثاني من الأمسية، فكان مداخلة فلسفية عميقة للدكتور أحمد عبد الحليم، أستاذ الفلسفة بجامعة القاهرة، الذي تناول الثورة من منظور فلسفي، مؤكدًا أن الفلاسفة منذ العصور القديمة رأوا في الثورة مسارًا دائمًا للتنوير، مشيرًا إلى رؤية "كانط" الذي اعتبر الثورة فعلًا مستمرًا لتجديد الوعي. وتحدث عبد الحليم عن تطور الوعي الثوري في مصر من عهد أحمد عرابي إلى نشأة الجامعة المصرية، التي كانت في أصلها أداة مقاومة ثقافية ضد الهيمنة البريطانية، مؤكدًا دور الأساتذة الأجانب، من الفرنسيين والألمان، في إثراء المشهد المعرفي آنذاك.
وشاركت في الاحتفالية الكاتبة الفلسطينية المقيمة في مصر، الدكتورة فدوى فؤاد عباس، التي تحدثت من القلب عن حبها العميق لمصر، مشيرة إلى أن ثورة يوليو ألهمت الشعوب العربية الباحثة عن الكرامة والحرية. واستحضرت دور الرئيس عبد الناصر في معركة الفالوجة، مؤكدة أن والِدها –في لحظاته الأخيرة– لم يذكر سوى اسمه، في دلالة عاطفية على عمق ارتباط العرب بالقائد الذي تبنّى قضاياهم.
واختُتمت الندوة بالتأكيد على التحول الذي أحدثته ثورة يوليو في مفهوم الثقافة، حيث انتقلت من حكر على الطبقات الأرستقراطية إلى فضاء مفتوح للجميع، فصارت الثقافة حقًا شعبيًا عامًا، وبرزت إبداعات الأدباء والفنانين والفلاسفة في التعبير عن روح الثورة ومبادئها الإنسانية.