د. أيمن إمام يكتب: طبّ نمط الحياة... الثورة الهادئة في عالم الطب الحديث
هل تعلم أن أكثر من ٧٠٪ من الأمراض المزمنة في العالم يمكن الوقاية منها أو تحسينها بتغيير نمط الحياة فقط؟
هذا ما أكدته منظمة الصحة العالمية وتقارير مجلة "لانسيت" الطبية المرموقة، التي وصفت "طب نمط الحياة" بأنه «التحول الأكبر في الطب خلال القرن الحالي».
ما هو طب نمط الحياة؟
هو فرع طبي حديث يُعالج جذور المرض لا أعراضه، من خلال تعديل السلوكيات اليومية مثل التغذية، الحركة، النوم، وإدارة التوتر.
تشير أبحاث الكلية الأمريكية لطب نمط الحياة إلى أن تطبيق مبادئ هذا الطب يقلل خطر الإصابة بالسكري وأمراض القلب والسمنة بنسبة تتراوح بين ٤٠ إلى ٨٠٪.
ببساطة، هو الطب الذي يبدأ من العادات... لا من العيادات.
متى وكيف بدأ طب نمط الحياة؟
بدأ "طب نمط الحياة" كتخصص طبي في الولايات المتحدة الأمريكية، وفي عام ٢٠٠٤ تأسست الجمعية الأمريكية لطب نمط الحياة كجمعية طبية مهنية.
وفي عام ٢٠٠٧ صدرت أول نسخة من المجلة الأمريكية لطب نمط الحياة.
ومنذ ذلك الحين، أصبح هذا التخصص من أسرع الفروع الطبية نموًا في العالم.
المحاور الستة الأساسية لطب نمط الحياة
١. التغذية الذكية: اختيار الطعام الحقيقي الغني بالمغذيات لا بالسعرات فقط.فقد أثبتت دراسة أجريت في كلية الصحة العامة بجامعة هارفارد أن اتباع نظام غذائي متوازن غني بالخضروات والحبوب الكاملة يقلل معدل الوفيات العامة بنسبة ٣١٪.
٢. النشاط البدني المنتظم: حتى المشي ٣٠ دقيقة يوميًا يخفض خطر أمراض القلب بنسبة ٣٥٪ (منظمة الصحة العالمية، ٢٠٢٠).
٣. النوم الصحي: أظهرت أبحاث المعاهد الوطنية للصحة الأمريكية أن من ينام أقل من ٦ ساعات بانتظام ترتفع لديه احتمالات السمنة والسكري بمقدار الضعف.
٤. إدارة التوتر والقلق: تقنيات التنفس والتأمل تقلل مستويات الكورتيزول بنسبة ٢٥٪ خلال أسابيع قليلة.
٥. الابتعاد عن العادات الضارة: الإقلاع عن التدخين وحده يزيد متوسط العمر المتوقع من ٧ إلى ١٠ سنوات.
٦. العلاقات الإيجابية والدعم الاجتماعي: أظهرت دراسة هارفارد الطولية (بدأت عام ١٩٣٨) أن جودة العلاقات هي العامل الأقوى في طول العمر وجودة الحياة.
يستخدم "طب نمط الحياة" هذه الركائز الستة لعلاج الأسباب الجذرية للعديد من الحالات المرضية والوقاية منها، فهو يضع المريض لا الدواء في مركز الاهتمام.
ويستعير مهارات من تخصصات متعددة مثل علم التغذية، وعلم النفس الإيجابي، وتغيير السلوك، وطب النوم.
ويختلف هذا الطب عن الطب التقليدي في أنه يركز على الوقاية والعادات الصحية اليومية لعلاج الأمراض المزمنة بل وعكس مسارها أحيانًا.
فعلى عكس الطب الدوائي الذي يركز على علاج كل حالة على حدة، فإن فوائد تبني نمط حياة صحي تمتد لتشمل مختلف أجهزة الجسم.
لماذا نسميها «الثورة الهادئة»؟
لأنها تعيد تعريف دور الطب:
من علاج المرض إلى بناء العافية،
ومن الاعتماد على الدواء إلى تمكين المريض من التحكم في سلوكه ونمط حياته.
تشير مراجعة علمية نُشرت في مجلة بيرمنانت الطبية (٢٠٢١) إلى أن تطبيق تدخلات نمط الحياة يقلل الحاجة إلى الأدوية في مرضى الضغط والسكري بنسبة تصل إلى ٦٠٪ خلال عام واحد.
من النظرية إلى التطبيق
يرتكز "طب نمط الحياة" على تحويل المعرفة الصحية إلى ممارسات يومية قابلة للتطبيق والاستمرار، بناءً على فهم الخصائص الفردية لكل شخص — عاداته، بيئته، حالته النفسية، ومتطلبات يومه.
ومن أهم تطبيقاته:
- التغذية المتوازنة: الاعتماد على الأطعمة الكاملة قليلة المعالجة، وضبط كميات الطعام، وتحسين توزيع الوجبات وفق احتياجات الجسم.
- النشاط البدني المنتظم: إدخال الحركة اليومية بشكل تدريجي، مع مراعاة القدرات البدنية والأهداف الصحية.
- تنظيم النوم: تحسين جودة النوم وتنظيم الساعة البيولوجية لدعم التمثيل الغذائي وتجديد الطاقة.
- إدارة التوتر: استخدام تقنيات مثل التأمل والتنفس الواعي وتنظيم الوقت للحد من الإجهاد.
- العادات السلوكية: بناء عادات صغيرة متراكمة يمكن قياسها ومتابعتها لتعزيز الاستمرارية.
ويتم تقييم فعالية هذا النهج من خلال التغيرات في المؤشرات الحيوية مثل مستويات السكر التراكمي، والدهون، وعلامات الالتهاب، مما يعكس استعادة التوازن الداخلي وتحسن وظائف الجسم على المدى الطويل.
الخاتمة
"دواؤك في نمط حياتك قبل أن يكون في علبتك."
ابدأ بخطوة صغيرة اليوم — تقليل السكر، إضافة خضار إلى كل وجبة، أو المشي عشر دقائق يوميًا.
كل عادة صحية هي استثمار طويل المدى في جسدك ومناعتك ومستقبلك.