الدكتور محمد صبحي فودة يكتب: أزمة صامتة تهدد المجتمع

Nov 1, 2025 - 11:55
الدكتور محمد صبحي فودة يكتب: أزمة صامتة تهدد المجتمع

 

 

لم تعد الأزمة الأسرية في مصر مجرّد ظاهرة اجتماعية تُناقش في البرامج أو تُسجّل في تقارير المحاكم، بل تحوّلت إلى نزيف مجتمعي صامت، يهدد البنية النفسية والأخلاقية للمجتمع المصري من جذوره. قال الله تعالى:"يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً" (النساء: …فالانحدار الأخلاقي ونزع الوازع الديني.. جريمة العصر ومسؤولية الجميع. ولم يكن الانحلال الأخلاقي الذي نعانيه اليوم نابعًا من فراغ، بل هو نتيجة حتمية لمسار طويل من تغييب الدين، وتشويه القيم، وتسويق الرذيلة تحت مسميات الحرية والانفتاح. وحين يُنتزع الوازع الديني من القلوب، وتُشوَّه القدوات، وتُفتح الأبواب أمام الفن الهابط، تتحول المجتمعات إلى بيئة خصبة للجريمة، والبلطجة، والفسق والانحلال. قال الله تعالى:{وَمَن أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُۥ مَعِيشَةًۭ ضَنكًۭا} [طه: 124]وهذا ما نراه اليوم: معيشة ضنكا، رغم الترف والرفاه، والسبب هو البُعد عن الله وفقدان البوصلة الأخلاقية.

فحين ينهار الوازع الديني.. ينهار كل شيء: قال النبي ﷺ:«إذا لم تستحِ فاصنع ما شئت» [رواه البخاري] فحين يُفقد الحياء، ويُغيّب الضمير، وتُنتزع الخشية من القلوب، لا عجب أن نسمع عن جرائم أسرية مروعة، وبلطجة في الشوارع، وخيانات، وتحلل أخلاقي.

من يتحمل وزر ما يحدث؟ للخروج من هذا النفق المظلم، لا بد من الاعتراف بأن المسؤولية جماعية، وعلى كل طرف من أطراف المجتمع أن يؤدي دوره كما أراد الله، وكما تقتضيه الأمانة.فالكلمة إمّا نور وإما نار. يا للأسف، تحوّل كثير من وسائل الإعلام إلى أدوات لنشر الفاحشة والتفاهة والتسطيح. مسلسلات تمجد الخيانة برامج تستضيف رموز البلطجة وتحوّلهم إلى "نجوم"،محتوى مليء بالعري والمخدرات والخمور... يُعرض في أوقات الذروة أمام الصغار والكبار.قال تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: 19] فعلى الإعلام أن يعود إلى ضميره، ويكف عن نشر الفساد الأخلاقي، ويقدم محتوى هادفًا، يربي ولا يهدم، يُهذب ولا يُفسد.والعلماء والدعاة: نور في زمن الظلام “العلماء الربانيون هم ورثة الأنبياء، وهم صمّام الأمان في الأوقات الحالكة. لكن في زمن التهميش، أصبح صوت العالم ضعيفًا، يُسخر منه، أو يُتّهم بالتشدد!قال النبي ﷺ:«العلماء ورثة الأنبياء» [رواه الترمذي]على العلماء أن يتحملوا مسؤوليتهم في البيان، والتصحيح، والتوجيه، بالحكمة والموعظة الحسنة، وأن لا يسكتوا عن الباطل بدعوى "الحياد".لأن المثقفين والمفكرين: لا حياد في معركة القيم “فالمثقف الصادق لا يمكن أن يكون حياديًا حين تُغتصب القيم. لكننا نرى اليوم من يتستر خلف "الحرية الشخصية" ليُدافع عن الشذوذ والفاحشة، ويهاجم التدين وكأنه تخلّف!والمثقف الحقيقي هو من يُبصر الناس بالخطر، ويحارب الجهل، لا من يُجمّل الانحلال تحت عباءة الحداثة.

وتعد الأسرة: الحصن الأول"البيت هو المدرسة الأولى. فإذا نشأ الطفل في بيت لا صلاة فيه، ولا قدوة فيه، ولا حوار، ولا رقابة، فمن أين يأتي الوازع الديني؟قال النبي ﷺ:«كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته» [متفق عليه]على الآباء والأمهات أن:يزرعوا الإيمان في قلوب الأبناء،يعلموهم الصلاة والقرآن،

يراقبوا ما يشاهدون،ويكونوا قدوة عملية لهم.

والمدرسة والجامعة: بين التعليم والتربية"ما قيمة تعليم بلا تربية؟ وما فائدة شهادات عليا بلا أخلاق؟

المدرسة والجامعة ليستا فقط لنقل المعلومات، بل لتكوين الشخصية السليمة.يجب إدماج برامج للقيم، وتعزيز مادة التربية الدينية، وتقديم القدوات الصالحة، وتدريب المعلمين على غرس الأخلاق، لا فقط التحصيل الأكاديمي.فالمجتمع: بيئة صالحة أو ملوثة؟قال النبي ﷺ:«مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير...» [متفق عليه]

فإذا كان المجتمع يُكافئ الفاسد، ويسخر من الصالح، ويحتفل بالمتحررين من الدين، فإنه يقتل الفضيلة.يجب أن يكون المجتمع بيئة تشجع على الخير، وتستنكر المنكر، وتُكرّم القدوة لا المشهور.

وما يحدث اليوم من جرائم، وفساد، وانحلال، ليس ظاهرة طبيعية، بل نتيجة إهمال جماعي للوازع الديني، وغياب الرؤية الأخلاقية.لن يُصلح هذا الحال إلا رجوع صادق إلى الله، وإحياء حقيقي للقيم، وتعاون بين جميع المؤسسات: الإعلام، العلماء، المثقفون، الأسرة، المدرسة، والمجتمع.{وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ} [المائدة: 2]آن الأوان أن نُعيد بناء الإنسان.. قبل أن نندم حيث لا ينفع الندم.