مصطفى صلاح يكتب: «علا السعدني»إنسانة قبل أن تكون كاتبة

في حياة كل إنسان محطات فارقة، وأشخاص يتركون بصمة لا تمحى في مسيرته، يدفعونه للأمام حين تشتد الرياح، ويمنحونه القوة حين تتعثر الخطوات. ومن بين هؤلاء الذين يستحقون أن نقف أمامهم احترامًا وتقديرًا، الكاتبة الصحفية والناقدة السينمائية علا السعدني، الإنسانة قبل أن تكون كاتبة، صاحبة القلب النقي والقلم الحر، التي كانت ولا تزال نموذجًا مشرفًا للإنسانية والأخلاق العالية.
منذ أن وطأت قدماي مؤسسة الأهرام، كنتُ كمن يدخل عالمًا جديدًا، مليئًا بالتحديات والمسؤوليات. في هذا المكان العريق، تتداخل الأصوات، وتتشابك الأقلام، لكن هناك من يضيئون الطريق بإنسانيتهم قبل كلماتهم، وكانت علا السعدني واحدة من هؤلاء النادرين الذين يتركون أثرًا طيبًا أينما حلّوا. لم تكن مجرد زميلة في المهنة، بل كانت أختًا داعمة، تقف بجانبي بكل حب وتواضع، تقدم لي النصح والمساندة دون أن تنتظر المقابل.
الإنسانة التي تعرف معنى العطاء
علا السعدني ليست مجرد كاتبة مرموقة وناقدة سينمائية بارعة، بل هي إنسانة تعرف جيدًا كيف تكون السند لمن يحتاج، كيف تكون الصوت الدافئ وسط صخب الأيام، واليد الممتدة لمن يتعثر في خطواته الأولى. لمستُ فيها منذ البداية حب الخير للجميع، وحرصها على أن ترى من حولها في أفضل حال، فلم تبخل يومًا بمعلومة، ولم تتردد لحظة في تقديم العون والمشورة.
إنها واحدة من هؤلاء الذين يؤمنون بأن النجاح الحقيقي لا يكون إلا بمشاركة الآخرين ودعمهم. رأيتُ فيها نموذجًا للصحفية التي تجمع بين الاحترافية والإنسانية، بين الحزم والطيبة، بين قوة الرأي ورقة المشاعر. لم تكن تكتب الكلمات فقط، بل كانت تعيشها، تحياها، تنقلها بكل صدق وإحساس، فتصل إلى القلوب قبل العقول.
أخلاق عالية… ومواقف لا تُنسى
في زمن باتت فيه المصالح تحكم الكثير من العلاقات، تظل علا السعدني مثالًا نادرًا للإنسانة النبيلة، التي لا تعرف سوى العطاء بغير حساب، والتعامل برقي واحترام مع الجميع، دون النظر إلى منصب أو شهرة أو نفوذ. لم تكن يومًا من هؤلاء الذين تغرّهم الأضواء، بل كانت دائمًا على مسافة واحدة من الجميع، بقلبها الكبير الذي يسع الجميع، وابتسامتها الصافية التي تمنح الأمل والتفاؤل لمن حولها.
كم من مرة وجدتُها تقف إلى جانبي في لحظات صعبة، تمد يدها دون تردد، وتفتح لي أبوابًا كنتُ أظنها مغلقة! كم من مرة أدهشني حرصها على دعمي وتشجيعي، وإصرارها على أن أكون في المكانة التي أستحقها! لم تكن علا السعدني مجرد زميلة في في مؤسسة صحفية من أعرق المؤسسات الصحفية في الشرق الأوسط وهي مؤسسة الأهرام، بل كانت ملاذًا آمنًا في الأوقات الصعبة، وأختًا كبرى تحمل في قلبها حبًا خالصًا لكل من حولها.
اعتراف بالجميل
إن الكتابة عن علا السعدني ليست مجرد كلمات أدوّنها، بل هي شهادة حق واعتراف بالجميل لإنسانة عظيمة، تستحق كل الإشادة والتقدير. قليلون هم من يتركون أثرًا في حياتنا، وقليلون هم من يثبتون أن الإنسانية ما زالت بخير، وعلا السعدني واحدة من هؤلاء الذين يُشرفني أن أكتب عنهم، وأعترف بفضلهم، وأُعلن بكل فخر وامتنان أنني تعلمتُ منها الكثير، ليس فقط في المجال الصحفي، بل في الحياة نفسها.
فشكرًا للأستاذة علا السعدني، شكرًا بحجم الكون، شكرًا لأنك كنتِ دائمًا بجانبي، شكرًا لأنك لم تتخلّي يومًا، شكرًا لإنسانيتك التي تسبق قلمك، ولمواقفك التي لا تُنسى. ستظلّين دائمًا مثالًا مشرقًا للصحفية التي تجمع بين الذكاء المهني والنبل الإنساني، وسيبقى اسمكِ محفورًا في قلوب كل من عرفكِ، لا فقط ككاتبة متميزة، بل كإنسانة عظيمة بكل ما تحمله الكلمة من معنى.