مصطفى صلاح يكتب: «أبواب الدم» تحفة أدبية جديدة للكاتب الصحفي والروائي هاني سامي

Mar 10, 2025 - 20:50
Mar 10, 2025 - 21:12
مصطفى صلاح يكتب: «أبواب الدم» تحفة أدبية جديدة للكاتب الصحفي والروائي هاني سامي

في رحلة الإبداع الأدبي، هناك من يكتب ليملأ الصفحات، وهناك من ينحت الكلمات بروحه ليصنع أدبًا خالدًا يلامس القلوب والعقول. وهكذا هو الكاتب الصحفي والروائي هاني سامي، الذي يواصل تقديم أعماله الأدبية بحرفية وإبداع، ليضيف إلى المكتبة العربية عملًا جديدًا يستحق الإشادة والاهتمام. روايته الأخيرة "أبواب الدم" الصادرة عن دار النخبة للنشر والتوزيع ليست مجرد سرد روائي عابر، بل هي تجربة أدبية متفردة تحمل في طياتها مزيجًا فريدًا من الإثارة، التشويق، الغموض، والبعد الإنساني العميق.

في هذه الرواية، يأخذنا هاني سامي في رحلة داخل عالم معقد من المؤامرات، الصراعات، والألاعيب القذرة التي تحاك في الظلام ضد الأوطان المستقرة، حيث يسلط الضوء على التحديات الخطيرة التي تواجه مصر وبعض الدول الأخرى، كاشفًا عن الوجه الخفي لمافيا الشر وصناع الخراب الذين يتلاعبون بمصائر الشعوب لتحقيق مكاسب خفية. بأسلوب روائي ممتع، وبحبكة درامية شديدة التماسك، يفتح الكاتب أمام القارئ أبوابًا متعددة للحياة، حيث يجد كل شخص الباب الذي يتوافق مع نواياه؛ فهناك أبواب للطموح النبيل والسعي الشريف، وهناك أبواب للخداع والتلاعب بمصائر الآخرين، بينما يبقى "باب الدم" هو المدخل الذي يمر منه تجار الحروب والخراب، غير عابئين بما يتركونه وراءهم من ضحايا ودمار ومآسٍ إنسانية.

منذ الصفحات الأولى، يجد القارئ نفسه مأخوذًا بسحر السرد الذي يتميز به هاني سامي، حيث يبرع في رسم المشاهد بدقة سينمائية تجعل القصة تنبض بالحياة. فهو ليس مجرد كاتب يروي الأحداث، بل هو صانع عوالم، يعرف كيف يأسر القارئ بجمل قصيرة مؤثرة، وحوارات قوية تعكس صراع الشخصيات الداخلي والخارجي، وتصاعد التوتر الدرامي حتى لحظة الذروة. الرواية لا تقتصر فقط على الجانب البوليسي المشوق، بل تمتزج فيها عناصر الرومانسية، العاطفة، والأبعاد الإنسانية التي تجعل الشخصيات أقرب إلى الواقع، وتجعل القارئ يشعر وكأنه جزء من هذا العالم المتشابك.

أحد أبرز ملامح الرواية هو الرمزية العميقة التي استخدمها الكاتب في رسم شخصياته وأحداثه، إذ لم تكن مجرد قصة تدور في عالم الجريمة والسياسة، بل هي مرآة تعكس واقعًا مريرًا نعيشه اليوم. الطفل الذي كُسرت لعبته في بداية الرواية لم يكن مجرد تفصيلة عابرة، بل كان الشرارة الأولى لغموض يزداد تعقيدًا كلما توغلت الأحداث في عمق القصة، حيث يتحول ذلك الحدث البسيط إلى مفتاح لكشف ألغاز كبيرة داخل الرواية.

هاني سامي ليس مجرد روائي تقليدي، بل هو كاتب متمكن استطاع عبر سنوات طويلة من العمل الصحفي أن يكتسب رؤية ثاقبة لما يدور خلف الكواليس في عالم السياسة، الاقتصاد، والثقافة. بدأ مشواره في الصحافة منذ عام 1996، وتخصص في شؤون الفنون والثقافة، مما منحه قدرة فريدة على تحليل الشخصيات والأحداث بأسلوب يمزج بين الدقة الصحفية والخيال الأدبي. شغل مناصب عديدة في مؤسسات صحفية مرموقة، بدءًا من رئيس قسم، مرورًا برئاسة قطاعات الفنون والثقافة، ثم منصب مدير التحرير، وصولًا إلى كونه الرئيس التنفيذي لعدد من المطبوعات البارزة، وهو أيضًا عضو اتحاد كتاب مصر، والمستشار الإعلامي لنقابة السينمائيين بجمهورية مصر العربية، واليوم يواصل مسيرته الصحفية من خلال موقع "ويك إند"، الذي يعد تجربة خاصة تحمل بصمته ورؤيته الفريدة.

لم يكن الأدب بالنسبة له مجرد هواية، بل هو رسالة تحمل بين طياتها فكرًا وتحليلًا عميقًا للواقع. على مدار مسيرته الأدبية، قدم العديد من الأعمال التي لاقت نجاحًا كبيرًا، منها رواية "رسائل إبليس" التي كشفت خبايا الصراعات النفسية والإنسانية، ورواية "حوش الغجر" التي تناولت عالم المهمشين والمنسيين، بالإضافة إلى مجموعة قصصية بعنوان "البغايا"، وكتاب "كان ممنوعًا من النشر" الذي ضم موضوعات جريئة أثارت الجدل. كما قدم سيرة ذاتية للفنان الكبير أشرف زكي، وكتابًا عن النجمة يسرا بعنوان "حدوتة مصرية"، الذي لم يُنشر بعد.

إن قراءة أعمال هاني سامي ليست مجرد متعة أدبية، بل هي تجربة فكرية عميقة تجعلك تعيد النظر في كثير من المسلمات التي كنت تؤمن بها. فهو كاتب يكتب بإحساس، بوعي، وبحرفية عالية، مما يجعل رواياته ذات صدى واسع لدى القراء. قدرته على المزج بين التشويق والفكر، بين الغموض والرسائل العميقة، وبين الإثارة والرومانسية، تجعل من رواياته أعمالًا لا تُقرأ فقط، بل تُعاش وتُحس.

"أبواب الدم" ليست مجرد رواية أخرى تضاف إلى رفوف المكتبات، بل هي صرخة أدبية قوية تكشف الستار عن حقيقة عالم لا يعرف الرحمة، عالم تحكمه المصالح والنفوذ، حيث يصبح الدم هو الثمن المدفوع لكل من يحاول الوقوف في وجه صناع الفوضى والتخريب. بأسلوبه الفريد، وقدرته الفائقة على التشويق، يضعنا هاني سامي أمام واقع مرير يجعلنا نتساءل: كم من "أبواب الدم" فُتحت في عالمنا دون أن ندرك حجم الكارثة؟

إن كان هناك ما يميز هاني سامي ككاتب، فهو قدرته على أن يكون شاهدًا على عصره، وناقلاً لحقيقة لا يتجرأ الكثيرون على كشفها. روايته الجديدة ليست مجرد قصة للترفيه، بل هي وثيقة أدبية تعكس صراع الخير والشر في العالم المعاصر، وهي دعوة للتفكير والتأمل في الأحداث التي تجري من حولنا، وما تخفيه الأبواب المغلقة وراءها.

من يقرأ "أبواب الدم" سيجد نفسه أمام رواية ممتعة، شيقة، ومليئة بالمفاجآت، لكنها في الوقت نفسه ستدفعه إلى التفكير في الواقع الذي نعيشه، وستترك بداخله أسئلة لن يجد إجاباتها بسهولة. إنها رواية كتبها روائي مبدع وصحفي محترف، استطاع أن يجمع بين حس الكاتب وذكاء الصحفي، ليقدم لنا عملًا أدبيًا يستحق أن يُقرأ، ويستحق أن يبقى في الذاكرة طويلًا.