مصطفى صلاح يكتب: «هبة السويدي» سيدة الرحمة وصانعة الأمل في قلوب المحترقين

Mar 10, 2025 - 16:01
مصطفى صلاح يكتب: «هبة السويدي» سيدة الرحمة وصانعة الأمل في قلوب المحترقين

ليس كل من يعيش على هذه الأرض يترك أثرًا، فهناك من يمرون مرور العابرين، وهناك من يُخلِّدهم التاريخ بحروفٍ من نور، لأنهم اختاروا أن يكونوا نورًا في عتمة الألم. وهبة السويدي ليست مجرد اسم، بل هي قصة إنسانية نابضة بالحياة، امرأة جمعت بين القوة والرحمة، فكانت صوتًا للمظلومين، ويدًا تمتد لمن التهمتهم النيران، وأمًّا لكل من عرف معنى الألم.

حين اشتعلت الثورة في مصر عام 2011، لم تكن النيران تلتهم فقط الميادين، بل كانت تحرق أجساد شباب في عمر الزهور، كانوا يحلمون بوطنٍ أفضل، فوجدوا أنفسهم ضحايا للإهمال والجحود. وسط هذا المشهد القاسي، وقفت هبة السويدي لا كمراقبة، بل كأمٍّ تشعر أن أبناءها يحترقون أمام عينيها. لم تتحمل أن ترى صرخاتهم دون أن تمد لهم يد العون، ولم تستطع أن تدير ظهرها للمعاناة، بل قررت أن تهب حياتها لإنقاذهم، مهما كلفها الأمر.

لم يكن طريقها سهلًا، فقد وجدت نفسها أمام نظامٍ طبي يعاني من نقصٍ شديد في إمكانيات علاج الحروق، ومجتمع لم يكن يولي هذه القضية الاهتمام الكافي. لكنها لم تتراجع، ولم تقبل بأن يكون مصير هؤلاء الشباب النسيان، فبدأت بمبادرات فردية، زارت المستشفيات، تكفّلت بعلاج المصابين، قدّمت الدعم النفسي والمادي، حتى تحولت جهودها إلى مشروع إنساني ضخم، يغيّر حياة الآلاف.

ومن هنا، وُلِدَت مؤسسة أهل مصر للتنمية، التي لم تكن مجرد مؤسسة خيرية، بل كانت صرحًا إنسانيًا يُعيد الحياة لمن ظنوا أن الحريق قد سرق منهم كل شيء. وبلغ حلمها قمّته حين أسست مستشفى أهل مصر لعلاج الحروق بالمجان، الأول من نوعه في الشرق الأوسط، ليكون بيتًا لكل من التهمت النيران أجسادهم، وأملًا لمن كادوا يفقدون ثقتهم بالحياة.

لم يكن المستشفى مجرد مكانٍ للعلاج، بل كان رسالة إنسانية راقية، تقول لكل مصاب: "أنت لست وحدك، وهناك من يهتم لأجلك". هبة لم تكن سيدة أعمال تبحث عن نجاح شخصي، بل كانت أمًّا تشعر بآلام كل مريض، تجلس معهم، تمسك أيديهم، تمنحهم القوة ليستعيدوا أرواحهم قبل أجسادهم.

واجهت الصعوبات بقلبٍ من حديد، لم تستسلم أمام قلة التمويل، لم تنهزم أمام البيروقراطية، بل حاربت بإصرارٍ نادر، لأنها كانت تؤمن أن رسالتها أعظم من أي عوائق. لم تكن مجرّد متبرعة أو فاعلة خير، بل كانت ملاك رحمة يمشي على الأرض، امرأة وهبت حياتها لمن يحتاجون إليها، فاستحقت كل التقدير والإشادة.

إن هبة السويدي ليست مجرد شخصية عابرة في العمل الخيري، بل هي أيقونة للعطاء، نموذج للإنسان الذي يختار أن يكرّس حياته لخدمة الآخرين. أفعالها لا تحتاج إلى كلمات، لأن كل مريض عادت له الحياة بفضل جهودها هو شهادة حية على عظمة ما فعلت. لقد غيّرت حياة الآلاف، وأثبتت أن الإنسانية ليست مجرد شعارات، بل فعلٌ حقيقي، يتطلب الشجاعة والتفاني.

ستبقى هبة السويدي رمزًا للخير والرحمة، وستظل سيرتها مصدر إلهام لكل من يؤمن بأن العطاء يمكن أن يغيّر العالم. هي لم تكن فقط أمًّا للثوار، بل أمًّا لكل من عرف الألم ووجد في قلبها الدفء، وفي ابتسامتها الأمل، وفي جهودها حياةً جديدةً تُكتب من رحم الحريق.