خيري حسن يكتب: نداء إلى أحمد المسلماني.. صوت الشيخ السيد سعيد يستحق أن يُذاع في حياته ومماته

May 25, 2025 - 18:04
خيري حسن يكتب: نداء إلى أحمد المسلماني.. صوت الشيخ السيد سعيد يستحق أن يُذاع في حياته ومماته

منذ سنوات سافر أبي ومعه ثلاثة من أهل القرية لحضور ليلة ختام مولد السيد البدوي في مدينة طنطا. قال أبي لي إنه - ومن معه - اقترضوا لكي يستطيعوا السفر من شمال الصعيد إلى الدلتا - ووصلوا للمدينة قبل الغروب في سيارة بيجو 405. وعلى مشارف المدينة لمح السائق الشيخ محمود الطبلاوي فاصيب بحالة هلع - تستطيع أن تقول جنون - فغيَّر اتجاه السيارة - في الطريق العكسي - ووقف أمام سيارة الشيخ وهو يهتف:

" الشيخ الطبلاوي يا رجالة" فهتف منْ في السيارة:" مدد يا شيخ سيد" ونزلوا جميعاً يحضنون، ويتبرّكون بالطبلاوي حتى كاد الشيخ يصاب بالملل قبل أن يستأذن شاكراً ويركب سيارته ويغادر المدينة. 

وظل أبي - حتى مات - يروي هذا اللقاء وكأنه ومنْ معه - كما كان يقول:" زارو النبي".

                     

تذكرت هذه الحكاية وأنا أتابع صوت من أصوات ألحان السماء - والتشبيه للكاتب الصحفى الراحل محمود السعدني - وهو صوت الشيخ السيد سعيد الذي رحل أول أمس، فلقد استمعت له منذ سنوات في سيارة ميكروباص (خط المنيب - بنى سويف ) والسائق والركاب كانت حالتهم تشبه حالة أبي - ومنْ معه - عندما رأوا الشيخ الطبلاوي.. حالة من التوحد والخشوع مع صوته - أذكر أنه كان يقرأ سورة يوسف - حتى أن راكباً كان بجواري من فرط اندماجه مع صوته بكى بالدموع وهو يودعنا وعاتب السائق قائلاً:" مش كنت تشغله بدري شوية" ثم قال وهو يسلم قدميه للطريق:" ده الواحد زي ما يكون ( زار النبي)". 

                    

وتعددت المرات بل المئات التي استمعت فيها إلى صوت الشيخ السيد سعيد - ابن محافظة الدقهلية - ما بين سيارات الأجرة وفي المواصلات العامة وعلى المقاهي وفي محلات البقالة - السوبر ماركت بعد ذلك - حيث صوته الرائع، وحنجرته القوية، وتلاوته التي هي لحنٌ من ألحان السماء.

                     

توفى الشيخ وودعته مدينته وقراها الوداع الذي يليق بمشواره وحياته التي تعدت الثمانين عاماً جاب فيها بقاع العالم شرقه وغربه يقرأ كتاب الله ويتلو قرآنه بصوت مصري أصيل.. غير أن المدهش والعجيب أني عرفت - بالصدفة - أن الشيخ لم يتم اعتماده في الإذاعة وبالتالى لم يقرأ ولو مرة واحدة فيها القرآن الكريم. 

وأنا - وغيري الكثير - لم نلتفت لذلك ربما بسبب حضوره الطاغي في شرائط الكاسيت وبعد ذلك اليوتيوب ومواقع التواصل الاجتماعي. 

                     

وبعض المصادر - وربما غير دقيقة - قالت أن الإذاعة منذ 50 عاماً رفضت اعتماد صوته ( وأنا اشك في هذه الرواية ) وبعض المصادر الأخري قالت:" هو الذي لم يتقدم للإذاعة" وسواء كان الرأي الأول صحيحاً أو الرأي الثاني كذلك، فإن الشيخ انتقل إلى جوار ربه وترك لنا صوته وتاريخه ملك لأسرته الكريمة.