مصطفى صلاح يكتب: رسالة إلى الرئيس عبد الفتاح السيسي.. أنقذوا الدراما المصرية.. إنها قضية أمن قومي

Mar 24, 2025 - 12:44
Mar 25, 2025 - 12:31
مصطفى صلاح يكتب: رسالة إلى الرئيس عبد الفتاح السيسي.. أنقذوا الدراما المصرية.. إنها قضية أمن قومي

فخامة السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي

أكتب إليكم هذه الرسالة بقلبي قبل قلمي، أكتبها بوجع وحزن وألم، أكتبها باسم كل مصري عشق الدراما المصرية التي شكلت وجدانه، ونحتت في روحه قيمًا ومبادئ نبيلة، قبل أن تضيع بين أيدينا، وتصبح سلعة رخيصة تُباع وتُشترى، بلا روح، بلا رسالة، بلا قيمة.

سيدي الرئيس، لقد كانت الدراما المصرية يومًا هي القوة الناعمة التي فتحت لمصر أبواب القلوب في الوطن العربي كله، كانت هي صوت المصريين، تعكس قضاياهم، تحكي عن آلامهم وأحلامهم، كانت منبرًا للوعي، وسلاحًا في وجه الفساد والجهل، كانت جزءًا من نسيج هذا الوطن، وشاهدًا على مراحل تطوره وتحولاته.

ولكن، أين نحن اليوم؟! أين تلك الدراما التي صنعت مجد مصر الفني؟! أين الأعمال التي حملت هويتنا وتراثنا وقيمنا؟! لقد أصبحت الدراما المصرية اليوم في الحضيض، تحولت إلى تجارة رخيصة يتحكم فيها المعلنون وأصحاب المصالح، تُفرض فيها الأسماء بالأموال، وتُقصى فيها المواهب الحقيقية، ويُحرم الكبار من تقديم إبداعهم، بينما تُفتح الأبواب على مصراعيها للسطحية والإسفاف والانحدار الأخلاقي.

سيدي الرئيس، لقد كان لدينا قطاع إنتاج في التلفزيون المصري، كان قلعة الدراما المصرية، هو الذي قدّم لنا أعمالًا خالدة، ما زالت تعيش في وجدان المصريين حتى اليوم. هل نسي أحدٌ "الشهد والدموع" الذي أخرجه المبدع إسماعيل عبد الحافظ؟! هل يمكن أن ننسى "المال والبنون" للمخرج الكبير مجدي أبو عميرة؟! أو "أرابيسك" للمخرج جمال عبد الحميد و"أبو العلا البشري" للمخرج الكبير محمد فاضل ؟!

هناك من رحل من المؤلفين والمبدعين والمخرجين، لكنهم تركوا خلفهم إرثًا خالدًا، أعمالًا لا تزال تنبض بالحياة في وجداننا، نحيا بها ونتغنى بها طوال العمر. تركوا لنا رأفت الهجان الذي علمنا معنى الوطن، والشهد والدموع الذي أبكانا، وضمير أبلة حكمت الذي أيقظ فينا الضمير، وعصفور النار الذي حرقنا بلهيب صراعاته، والضوء الشارد الذي أضاء دروب الدراما، والوتد الذي غرس فينا جذور الأصالة.

لكن على الجانب الآخر، هناك من لا يزال حيًا، جالسًا في بيته، يتابع ما يُعرض على الشاشة كما نفعل نحن، بلا إبداع جديد، بلا بصمة تُخلّد اسمه، وكأن الحياة تجري من حوله، وهو مجرد متفرج على ما كان يمكن أن يكون يومًا إرثه الذي لا يُنسى.

هل نسي أحدٌ "الراية البيضا" و"ضمير أبلة حكمت" و"ليالي الحلمية" للمبدع أسامة أنور عكاشة، و" الزيني بركات"، وغيرها من الروائع التي قدّمها لنا كبار المؤلفين أمثال محمد جلال عبد القوي، ومحسن الجلاد، ومحمد السيد عيد ، وغيرهم من القامات التي حفرت أسماءها في ذاكرة المصريين؟!.. أين هولاء اليوم؟! .. كيف يجلس هؤلاء العمالقة في بيوتهم بينما الدراما تُترك لمن لا يملكون موهبة أو خبرة أو رؤية؟!

سيدي الرئيس، نحن لا نتحدث عن أزمة عابرة، نحن نتحدث عن قضية أمن قومي، لأن الدراما ليست مجرد "تسلية"، بل هي أداة تشكيل وعي، هي التي ترسم صورة مصر أمام أبنائها وأمام العالم، وهي التي تزرع القيم والمبادئ، أو تهدمها.

كيف يُسمح للمعلنين بالتحكم في الإنتاج الدرامي؟! كيف تُترك القنوات الفضائية الخاصة تتحكم في المحتوى، فتفرض نجومًا بعينهم، وتقصي من تشاء، وتتحكم في الأفكار، فتُنتج لنا أعمالًا لا علاقة لها بمصر الحقيقية؟!

كيف نسمح بأن تصبح الدراما المصرية رهينة في يد "الشللية"، تُدار المصالح فيها وراء الكواليس، فتُغلق الأبواب في وجه الكفاءات، وتُفتح فقط لمن يدفع أكثر أو لمن ينتمي إلى هذه الدوائر المغلقة؟!

إن ما يُعرض اليوم من دراما مصرية لا يُمثلنا، لا يُشبهنا، لا يُعبر عن مصر التي نعرفها ونحبها. ما نراه هو أعمال تروج للبلطجة، للانحلال، للعنف، وكأن هذا هو واقع المجتمع المصري!

هل هذا ما نريد أن نقدمه للأجيال القادمة؟! هل هذه هي الصورة التي نرسمها لمصر في عيون أبنائها؟!

سيدي الرئيس، نحن بحاجة إلى تدخل عاجل، بحاجة إلى قرار يعيد للدراما المصرية مجدها وريادتها، بحاجة إلى إحياء قطاع الإنتاج في التلفزيون المصري، ليكون هو المسؤول عن تقديم دراما حقيقية، تُحترم، وتُخلّد، بدلاً من أن نترك الأمور في يد جهات لا تفكر سوى في الربح المادي.

نحن بحاجة إلى "قطاع الرقابة على النصوص الدرامية"، بحيث لا يتم السماح بإنتاج أي عمل إلا بعد مراجعته من لجنة متخصصة، تضمن أن يكون العمل هادفًا، راقيًا، يقدم صورة حقيقية لمصر، بدلاً من هذا العبث الذي نراه اليوم.

نحن بحاجة إلى لجنة كبرى تضم كبار المؤلفين والمخرجين، تكون هي الجهة الوحيدة المسؤولة عن توزيع الأعمال الدرامية على القنوات المصرية، فلا يجوز أن تظل القنوات الخاصة هي المتحكم الوحيد في سوق الدراما.

نحن بحاجة إلى أن نضع حدًا لتحكم المعلنين في الدراما، لأن الفن ليس "سلعة"، بل هو رسالة، هو هوية، هو تاريخ، وهو مستقبل أيضًا.

سيدي الرئيس، إن مصر التي تقود المنطقة اليوم سياسيًا واقتصاديًا، لا يمكن أن تقبل بهذا الانحدار الثقافي، لا يمكن أن تسمح بأن تصبح درامتها في هذا الوضع المأساوي، لأن القوة الناعمة لمصر كانت دائمًا جزءًا أساسيًا من ريادتها.

إننا نناشدكم، باسم كل مصري يحب هذا الوطن، أن تتدخلوا لإنقاذ الدراما المصرية قبل أن تضيع إلى الأبد، قبل أن نصبح مجرد ذكرى جميلة في تاريخ الفن، بينما الحاضر مليء بالإسفاف والسطحية والتفاهة.

سيدي الرئيس، إن الدراما ليست مجرد "مسلسلات"، بل هي ضمير الأمة، هي التي تحفظ ذاكرة الوطن، هي التي تعكس قضاياه وهمومه، هي التي تصنع وجدانه، وإذا فقدناها، فقدنا جزءًا من روح مصر.

لا تتركوا الدراما المصرية تضيع، لا تسمحوا لهذا العبث أن يستمر، لا تتركوا الفن المصري رهينة في يد المصالح والشللية والمعلنين.

أنقذوا الدراما المصرية.. فهي ليست مجرد ترفيه، بل هي قضية أمن قومي.