اليهود بعد الحرب من صورة الضّحية أمام الغرب إلى وجه الجلّاد..بالإبادة والاغتصاب والدّمار

د. ليون سيوفي
باحث وكاتب سياسي
منذ عقودٍ طويلة، نجح اليهود في تسويق أنفسهم أمام العالم على أنّهم “الضّحية التّاريخية” الّتي عانت الاضطّهاد والتّمييز والمجازر، وصولاً إلى الهولوكوست الّذي ارتكبه هتلر بحقّهم في أوروبا. غير أنّ مسار التّاريخ انقلب اليوم رأساً على عقب. فبعد الجرائم الّتي ارتكبتها إسرائيل في غزة وجنوب لبنان والضّاحية والبقاع، مروراً بسوريا واليمن ووصولاً إلى إيران، باتت الشّعوب ترى اليهود لا كضحايا، بل كجلّادين يمارسون أبشع صور القتل والتّجويع والتّهجير والإبادة.
ما فعلوه في غزة وحدها يكفي لكتابة تاريخٍ أسود: آلاف الأطفال قُتلوا، مئات آلاف العائلات شُرّدت، ألبيوت سُوّيت بالأرض، ألمستشفيات والمدارس دُمّرت، والمجاعة فُرضت عمداً على أكثر من مليونَيّ إنسان. وفي جنوب لبنان، تتكرّرت المشاهد، قرى محروقة، عائلات مهجّرة، أراضٍ ملوّثة بالقنابل الفوسفورية، وأُفقٌ مسدودٌ أمام أيّ عودةٍ آمنة. أمّا في سوريا واليمن وايران فالطّائرات الإسرائيلية تركت بصمتها الدّمويّة عبر الاغتيالات والقصف والعدوان المتكرّر، في مشهدٍ لم يعد يُخفى على أحد.
ألتّاريخ يُعيد نفسه، لكن بصورةٍ أكثر قسوة. أليهود الّذين رفعوا شعار “لن ننسى” ما فعله بهم هتلر، يمارسون اليوم ما هو أفظع بحقّ شعوب المنطقة. لقد تحوّلوا من ضحية الهولوكوست إلى صانعي “هولوكوست” جديدٍ ضدّ العرب وخاصّةً المسلمين ، بدمٍ باردٍ وبحمايةٍ دولية. لم يعد هناك فرقٌ بين المعتدي الألماني الّذي ارتكب جرائم الحرب في القرن الماضي، والمعتدي الإسرائيلي الّذي يرتكبها اليوم. إنّهما عملةٌ واحدةٌ بوجهَين مختلفَين، وجه النّازية بالأمس ووجه الصّهيونية اليوم، يجتمعان في معاني الاغتصاب والإجرام والإبادة.
ألعالم سيجد نفسه أمام معادلةٍ جديدة، كيف يمكن الوثوق بشعبٍ قدّم نفسه على أنه باحثٌ عن الأمان بينما يمارس القتل الجماعي ضدّ الأبرياء؟
كيف يمكن التّعامل مع أيّ يهوديٍّ وكأنّه فردٌ مسالم، بينما الدّولة الّتي تمثّلهم تُمعن في الإبادة والتّجويع واغتصاب الأرض؟
في الوعي الشّعبي العربي والإسلامي، لم يعد هناك أيّ فصلٍ بين اليهوديّ كفردٍ وبين إسرائيل ككيانٍ. فإسرائيل نفسها أعلنت مراراً أنّها “دولة اليهود”، وبذلك حمل كلّ يهوديّ في العالم، شاء أم أبى، وزر ما جرى ويجري من جرائم. ألثّقة بهم ستتلاشى، وصورتهم ستُختصر في ملامح الوحش المعتدي.
أمّا في الغرب، حيث تسعى النّخب السّياسية إلى حماية صورة اليهود وفصلها عن إسرائيل، فإنّ الواقع الشّعبي يسير في اتجاهٍ آخر. ألغضب يتصاعد، وموجات العداء لليهود (Anti-Semitism) ستجد أرضاً خصبةً في الشّارع الغربي نفسه، لأنّ ازدواجية المعايير لم تعد تُحتمل. ستبرز أصواتٌ تقول بوضوح“اليهود فعلوا ما فعله هتلر، وربما أبشع”.
ألخلاصة أنّ ما بعد الحرب لن يكون كما قبلها. صورة اليهود كضحايا أبدية سقطت إلى غير رجعة، وحلّت مكانها صورة اليهود كجلّادين، كشعبٍ مارس الإبادة بعد أن ذاقها، وفرض التّجويع بعد أن اشتكى منه، وأثبت للعالم أنّ الضّحية حين تتحوّل إلى جلّادٍ قد تصبح أكثر وحشية من جلّادها القديم.
لقد آن أوان الحقيقة بعدما سقطت صورة وشعار “الشّعب المسالم” عندما سخروا من العالم كلّه إلى غير رجعة، وحلّت مكانها صورة الوحش المعتد..