حسن أحمد يكتب: هل سيتطهر العالم؟

في ظل التصعيد العسكري المستمر بين إيران وإسرائيل، يُطرح السؤال الملح: هل يمكن أن يؤدي هذا الصراع إلى تغيير جذري في النظام العالمي، أو كما يُقال، "تطهير" العالم من ظلم أو هيمنة قوى معينة؟ هذا السؤال يحمل في طياته أبعادًا سياسية وأخلاقية وإنسانية معقدة، خاصة في ضوء الاتهامات التي تُوجَّه لإسرائيل بأنها "أكبر قوة إرهابية"، وبدءها لهذا العدوان، إلى جانب الدور المثير للجدل للولايات المتحدة وموقفها المتذبذب تجاه حلفائها.
جذور الصراع ودور إسرائيل
التوترات بين إيران وإسرائيل ليست جديدة، بل تمتد جذورها إلى عقود من العداء الأيديولوجي والاستراتيجي. إسرائيل، التي تُعتبر من قبل العديد من الدول والشعوب في المنطقة قوة استعمارية وعدوانية، اتُهمت مرارًا بانتهاك سيادة دول أخرى من خلال عمليات عسكرية واغتيالات. أخرها ما نفذته مؤخرا على المنشآت النووية والعسكرية الإيرانية، مما أدى إلى مقتل قادة عسكريين بارزين، واعتُبر هذا العمل تصعيدًا خطيرًا ينتهك القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة. هذه الضربات، التي جاءت بعد أشهر من التوترات حول البرنامج النووي الإيراني، أثارت مخاوف من حرب إقليمية شاملة قد تجذب قوى دولية كبرى.
من وجهة نظر النقاد، فإن إسرائيل تستغل نفوذها العسكري والسياسي لفرض هيمنتها على المنطقة، مستفيدة من دعم تاريخي من الولايات المتحدة. ومع ذلك، فإن هذا الدعم بدأ يشهد تصدعات، خاصة مع إدارة الرئيس دونالد ترامب، التي أظهرت تذبذبًا في مواقفها تجاه إسرائيل.
الولايات المتحدة وترامب: مصالح فوق المبادئ
إدارة ترامب، التي عادت إلى السلطة في عام 2025، أظهرت نهجًا براجماتيًا يعطي الأولوية للمصالح الأمريكية على حساب الحلفاء التقليديين. على الرغم من الدعم العلني الذي أبداه ترامب، لإسرائيل في بعض المناسبات، مثل تأكيده على توفير معدات عسكرية ومساعدة لوجستية، إلا أن تقارير أخرى تشير إلى تحذيرات أمريكية صريحة لإسرائيل من مغبة تصعيد الصراع مع إيران.
على سبيل المثال، ذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" مؤخراً أن ترامب، حذّر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، من تنفيذ هجمات قد تعرقل المفاوضات النووية مع إيران والتي كان من المفترض أن تُجرى في سلطنة عُمان.
هذا التذبذب في الموقف الأمريكي يعكس، بحسب البعض، نهجًا أنانيًا. ترامب، نفسه صرح علنًا أن "إيران يجب أن تعقد صفقة، قبل ألا يبقى شيء"، مما يعكس رغبته في تجنب حرب مكلفة مع إيران قد تؤثر سلبًا على المصالح الأمريكية. هذا الموقف أثار استياءً في بعض الأوساط الإسرائيلية، التي رأت فيه تراجعًا عن الدعم الثابت الذي كانت تتلقاه تل أبيب تقليديًا من واشنطن.
هل العالم على أعتاب "التطهير"؟
مصطلح "تطهير العالم" قد يُفهم من زوايا مختلفة: هل يعني نهاية هيمنة قوى عظمى معينة؟ أم إعادة تشكيل النظام الدولي؟ أم ربما تحقيق العدالة في مواجهة أفعال دولة مثل إسرائيل، التي دائماً ما توصف بالإرهاب المنظم؟ من وجهة نظر النقاد، فإن تصرفات إسرائيل، مثل الهجمات على إيران وسوريا ولبنان دون استشارة حكومات هذه الدول، تُظهر استهتارًا بالسيادة الوطنية والقانون الدولي. هذه الأفعال، إلى جانب الاتهامات بارتكاب جرائم حرب في غزة، ومجازر لا توصف ومنع المساعدات، عززت الصورة السلبية لإسرائيل في أعين الكثيرين، مما يجعلها رمزًا للظلم في نظر الكثيرين الآن على مستوى العالم.
ومع ذلك، فإن فكرة "التطهير" تبقى معقدة. إيران نفسها ليست بمنأى عن الانتقادات، حيث تُتهم بدعم ميليشيات مسلحة في المنطقة وتوسيع نفوذها على حساب سيادة دول أخرى. كما أن التصعيد العسكري المتبادل بين الطرفين يهدد بجر المنطقة إلى حرب شاملة، مما قد يؤدي إلى كارثة إنسانية بدلاً من أي شكل من أشكال "التطهير".
وختاماً:
الصراع بين إيران وإسرائيل، مع تورط الولايات المتحدة وتذبذب مواقفها، يكشف عن هشاشة النظام الدولي الحالي. إسرائيل، التي ظهرت بالقوة الإرهابية بسبب أفعالها العسكرية وسياساتها التوسعية، تواجه تحديات متزايدة في الحفاظ على شرعيتها دوليًا، خاصة مع اتهامات بارتكاب جرائم حرب "ولم تُعاقب عليها". في الوقت نفسه، يُظهر الموقف الأمريكي المتذبذب، بقيادة ترامب، أن المصالح السياسية والاقتصادية غالبًا ما تتغلب على المبادئ الأخلاقية، مما يعزز الشعور بعدم الثقة بين الحلفاء التقليديين.
هل سيتطهر العالم؟ ربما لا يكون الجواب في الحرب أو العنف، بل في إعادة تقييم السياسات الدولية نحو مزيد من العدالة والاحترام المتبادل لسيادة الدول. لكن مع استمرار التصعيد الحالي، يبدو أن المنطقة، والعالم، على مفترق طرق خطير، حيث الخيارات بين الدبلوماسية والحرب ستحدد شكل المستقبل، وربما يراه البعض أن تطهير العالم في القضاء على القوة الإرهابية تماماً.