أحمد زكريا يكتب: ما بين وقف إطلاق النار و جذور الصراع المسلح
مرت أيام قليلة منذ وقف إطلاق النار بين حزب الله من جهة و بين الكيان الإسرائيلي من جهة أخرى على الجبهة اللبنانية ، و بالرغم من سريان وقف إطلاق النار إلا أن الجانب الإسرائيلي سجل عدة خروقات عسكرية ،فمنذ ساعة تقريبا و مدفعية الاحتلال الإسرائيلي تقصف مدينة الخيام في جنوب لبنان ، بالإضافة إلى طائرات الكواد كابتر المسيرة التي تطلق النيران على المواطنين اللبنانيين محذرة إياهم من العودة إلا بعد تمام انسحاب الجيش الإسرائيلي من جنوب لبنان، الخروقات الإسرائيلية لم تتوقف تقريبا منذ سريان وقف إطلاق النار بين الجانبين ، في حين التزم الحزب بالقرار ، و تعود جذور الصراع بين حزب الله و إسرائيل عندما اجتاحت الأخيرة الساحة اللبنانية في السادس من حزيران عام 1982 م عندما قررت الحكومة الإسرائيلية شن عملية عسكرية ضد منظمة التحرير الفلسطينية بعد محاولة اغتيال سفيرها في المملكة المتحدة (شلومو أرجوف ) على يد منظمة أبو نضال ، فقامت إسرائيل باحتلال جنوب لبنان بعد أن هاجمت منظمة التحرير الفلسطينية و القوات السورية و الميليشيات المسلحة الإسلامية اللبنانية و حاصرت منظمة التحرير و بعض وحدات الجيش السوري في بيروت و تعرضت لقصف عنيف وانتهت الحرب بشكلها المعترف به عام 1985 إلا أن آثارها و مخلفاتها لم تنته حتى مايو 2000م عندما انسحب الجيش الإسرائيلي من الجنوب عام 2000م تحت تأثير ضربات المقاومة اللبنانية الإسلامية و أفواج المقاومة اللبنانية أمل الشيعية التي صارت فيما بعد حركة حزب الله مما تسبب في انهيار جيش لبنان الجنوبي العميل لإسرائيل (لحد ) ، ثم أصدرت الأمم المتحدة قرارا بالانسحاب تنفيذا للقرار 425 و الذي دعا لانسحاب إسرائيل من لبنان ، و على الرغم من استقرار الأوضاع منذ ذلك الحين حتى عام 2006 في لبنان إلا أن حرب تموز أو حرب لبنان الثانية و التي بدأت في 12 تموز 2006م بين قوات حزب الله اللبناني و قوات الجيش الإسرائيلي و التي استمرت 34 يوما في المناطق الجنوبية و الشرقية من العاصمة بيروت و في شمالي إسرائيل و مناطق الجليل و الكرمل و مرج بن عامر و بسبب إصرار إسرائيل على التحفظ على مختطفين لديها و إصرار حزب الله على تبني نهج تحريرهم و بعد مرور ثلاثين عاما على سجن بعضهم و بعد اليأس من المفاوضات لإطلاق سراحهم قرر حزب الله أسر جنود إسرائيليين لإجبار الحكومة الإسرائيلية و الضغط عليها لإطلاق الأسرى اللبنانيين في عملية سميت بالوعد الصادق ، و التي أدت إلى أسر جنود إسرائيليين، فبادرت مباشرة القوات الإسرائيلية و اقتحمت الجدار الحدودي و دخلت الأراضي اللبنانية ففاجأها حزب الله بكمين و قصف الدبابتين المقتحمتين ، فقتل ثماني جنود إسرائيليين من بينهم الجنديين المأسورين ، و في اليوم التالي شن الجيش الإسرائيلي هجوميا جويا عنيفا على جنوب لبنان مستهدفا محطة الكهرباء و مطار بيروت و شبكة الجسور و الطرق مما أدى لمقتل العشرات
ثم تلاها الاجتياح الثاني البري للبنان و الذي تكبدت فيه القوات الإسرائيلية خسائر فادحة في الأرواح و المعدات
وانتهت بدون تحقيق هدف واحد من قبل إسرائيل ، و لقد كشف الصحفي الأمريكي الشهير سيمور هيرش في مقال له في 21 أغسطس 2006 بصحيفة نيويوركر عن أبعاد المخطط الأمريكي- الإسرائيلي المشترك في توجيه ضربة استباقية لحزب الله في لبنان و ذلك قبل عملية اختطاف الجنديين الإسرائيليين وكان المقال بعنوان
( مراقبة لبنان – مصالح واشنطن في حرب إسرائيل ) ، حيث ذكر هيرش أن : ( إدارة بوش بالتعاون مع مخططين إسرائيليين كانوا منهمكين تماما في التخطيط لشن عملية هجومية جوية و برية إسرائيلية ضد قواعد حزب الله السياسية و العسكرية في لبنان ، ضد مرابض صواريخه و مراكز قياداته و عقد اتصالاته و مستودعاته ، حيث كان الرئيس بوش و نائبه ديك تشيني كانا مقتنعين تماما بأن حملة قصف جوي ناجحة تقوم بها إسرائيل ضد حزب الله من الممكن أن تحقق أهداف إسرائيل الأمنية من جهة و تساعد و تمهد من جهة أخرى لهجوم أمريكي مسبق و قوي يهدف إلى تدمير منشآت إيران النووية و الصاروخية في إيران بعد أن تتمكن إسرائيل من نزع الورقة الإقليمية التي تراهن عليها طهران و المتمثلة في حزب الله ) و على الرغم من انتهاء الحرب بدون مكسب واحد لإسرائيل منذ عام 2006 حتى الآن إلا أن إعلان حسن نصر الله الزعيم الأسبق لحزب الله و الذي قتل في اغتيال معتمد من نتنياهيو شخصيا منذ أكثر من شهر مضى ، بدخول الحزب كجبهة إسناد ضد إسرائيل و لصالح المقاومة الفلسطينية حتى تنتهي الهجمات على غزة أجج الصراع مرة أخرى و أغرى إسرائيل بتحقيق مكاسب لم تحققها في حرب لبنان الثانية عام 2006 ، بدحر الحزب شمال نهر الليطاني يعني حوالي ثلاثين كيلو مترا من الحدود اللبنانية الإسرائيلية و وضع الجيش اللبناني و قوات اليونيفيل مكانه
فهل تنعم لبنان بالهدوء القصير الحالي بعد وقف لإطلاق النار في لبنان و شمال إسرائيل والذي يتخلله خروقات إسرائيلية عدة أم تستمر الجبهة اللبنانية مفتوحة كجبهة إسناد و تنذر بدخول المنطقة في حرب إقليمية تتدخل فيها دول أخرى حرصا على مصالح مهددة أو رغبة في الحصول على مغانم أخرى .