مهرجان المسرح العربي 2025: مسرحية.. أسطورة شجرة اللبنان..بين الطقوس وغياب التطهير
كتب: مصطفي صلاح
ضمن عروض مهرجان المسرح العربي في دورته الخامسة عشر 2025 الذى تستضيف العاصمة العمانية مسقط قدمت المسرحية العمانية..اسطورة شجرة اللبان..لفرقة مزون المسرحية ماخوذة عن رواية..موشكا..لمحمد الشحري والاعداد المسرحي نعيم نور وسنوغرافيا واخراج يوسف البلوشي .
المتن الروائي المعد للمسرح يذهب وبشكل مكثف وتدور أحداث المسرحية في بيئة بين العالم العلوي والسفلي في مناخات سوداوية مقرونه بالجفاف والقحط حيث ، تنشأ قصة حب بين انسان من العالم العلوي ( غدير ) والجنية ( موشكا ) التي تخترق كل قوانين عالم الجن وصولا الى تحدي تلك القوانين والعوالم مما يفجر غضب زعيم القبيلة التى تنتمى اليها .
( موشكا) تترك لقلبها وعقلها العنان لتهيم حبا بذلك الانسان والذى صل هو الاخر الى ان يتغير بطبعه وحياته حتى مع أهله وزوجته ( في المشهد الاول يقوزل للعراف الاعمي انك تخيف زوجتى وهو تاكيد على حبه العميق لها فاذا به يناقض كل ذلك ويدير ظهره لزوجته واسرته وقبيلته بعدما سرقت ( موشكا ) قلبه ، وفي المقابل نتابع التطور الكبير في المواجهه بينها وبين ملك الجان اتباعه .
وبعد ان تصل العلاقة بينها وبين ( غدير ) الى قمتها وتصل الى لحظات تجليات الجسد يصدر بحقها القرار حيث العقاب .ومن اجل الدفاع عن حبها المحرم بالذات بين ( الانسان والجن ) بعد ان يقرر ملك الجن ان يقتل ( غدير ) لذا تقرر الدفاع عنه وان تضحي بروحها وجسدها وتطلب ان تتحول الى شجرة لبنان تنهال عليها السكاكين من اجل ان تظل دموعها تعطر الانفاس وتتحول الى غذاء للفقراء .
في الاعداد الكثير من التكثيف وايضا التحييد لعدد من الشخصيات بالذات تلك التى تحيط ب ( غدير)وهنا تبدو الملاحظة ان عالم الجن ظل يمثل حالة عاليه من الحضور في اجواء غرائبية اشتغل عليها المخرج والسينوغراف لما يمثله عالم الجن من خيال وثراء .
في العمل الكثير من الفعل الطقسي اعتبارا من الرقص والغناء والرقص وغيرها من التفاصيل الدقيقة التى اشتغل عليها المخرج مستخدما لغة الجسد باحترافية عالية لذا جاء الميل الى استحضار عوالم الجن والتاكيد عليها مع تحييد عالم البشر لان عالم الجن يحمل الينا مساحة من الدهشة والمتعة في تقديم حلول عالية .
في العرض استمرارية للنهج الذي تعودنا علي مشاهدته في النسبة الاكبر من العروض المسرحية العمانية والتى تتواصل على مدي العقود الخمس الماضية حيث استخدام الموروث والاسطورة والعتمة والاجساد والاهازيج والايقاعات ولكن المخرج يوسف البلوشي في هذة التجربة يذهب الى مناطق اضافية حيث التصميم المتميز للاضاءة واستخدام لغة الجسد في خلق مجموعة من التعابير والحلول البصرية .وان ظلت الموسيقي تبدو متداخلة وغير مبررة في احيان كثيرة . بل ان هناك مناطق موسيقية مختلفة من حيث الاتجاة والنسق والمنطقة والمرحلة وايضا الحالة .
الخط الدرامي ومنذ المشهد الاول تبدو واضحة وصريحة والى اين ستنتهي حيث المواجهة والموت الحتمي عبر مجموعة من المشاهد التى تاتى وكانها صور تمتاز بايقاعها البطئ خصوصا وان المشهد الاول هو المشهد الاخير .
في العرض اشتغال على لغة الجسد يمتاز بالتعبير العالي والجذاب بالاضافة الى المسرح الراقص وان كان لا يرتقي الى المستوى الرفيع في تصميم المشاهد الراقصة حيث تلك الكتلة التى ظلت في البقعة مما اجبر المخرج على تقديم حلول في ذات المساحة وهكذا كانت الحلول الراقصة .
في هذة التجربة فرقة ( مزن ) تذهب بعيدا في استحضار ( الاسطورة ) وفي تقديم فعل مسرحي يليق بها بالمرحلة الراهنة من تاريخ المسرح العمانى .وايضا التاكيد على المكانة التى يحتلها المخرج العماني المتميز يوسف البلوشي الذي يرسخ حضوره وبصمته واشتغالاته العالية المستوى ونشير هنا الى ان هذا العمل تغير لمرات عدة خلال تقديمه في عدد من المناسبات ولعلي كنت قد شاهدت العمل في تجربة مغايره من خلال ذات النص والمخرج من خلال عروض مهرجان الشارقة الصحراوي وبمواصفات تليق بالمكان الذي تقدم به عروض المسرح الصحراوي .
في اطال التمثيل ورغم الاشتغال العالي للعناصر الرجالية بالذات عمر الشماخي ( ملك الجن ) وابراهيم البلوشي ( العراف ) واحمد الشبيبي ( من اتباع ملك الجن ) و سالم اليعربي ( محضيلول ) وعمير انور ( غدير) رغم ذلك الحضور الا ان الفنانة نادية عبيد في شخصية ( موشكا ) تذهب الى منطقة قصية ثرية في التعابير واستخدام لياقة الجسد وحريتها عبر حلول تتطلي لياقة عالية وفهم وعمق في تحليل الشخصية والمالات التى تذهب اليها . وكم كنت اتمنى ان يتحرر فريق العمل من الممثلين من تلك الطريقة في الاداء والتى يتصور المخرج انها طريقة اداء الجن وهو امر نحترمة ولكنه فرض طبيعة في الاداء والذي يصل في احيان كثيرة بضياع المفردات وغياب التعبير الحقيقي .
ونخلص تلك الطقوس التى ازدحم بها العرض ظلت بعيدة عن معادلة التطهير الى تمثل نهاية تلك الطقوس خصوصا ونحن نذهب الى عرض يعتمد على حضور الاسطورة .
كلمة اخيرة .. شكرا لفرقة مزون ولنعيم نور ويوسف البلوشي وللرائعة نادية عبيد.