مصطفى صلاح يكتب: «أحمد المسلماني» رجل المهام الصعبة.. حين تعود الروح إلى ماسبيرو

أبريل 9, 2025 - 21:23
مصطفى صلاح يكتب: «أحمد المسلماني» رجل المهام الصعبة.. حين تعود الروح إلى ماسبيرو

في زمن تكاثرت فيه الأصوات وتقلصت فيه القيمة، وحين فقد الإعلام بوصلته بين طوفان المنصات وموجات الابتذال، نهض رجل من بين ركام الصمت، يحمل على عاتقه مسؤولية ثقيلة اسمها "ماسبيرو"، لا كمبنى عتيق على ضفاف النيل، بل كقلب نابض بالهوية وروح لا تموت اسمها "الإعلام المصري".

أحمد المسلماني، الكاتب الصحفي والمفكر الوطني، رئيس الهيئة الوطنية للإعلام، أثبت أنه رجل المهام الصعبة. رجل يعرف جيدًا أن النهوض بماسبيرو لا يكون بتجميل الواجهة، بل بإعادة تأسيس المعنى، ورد الاعتبار للرسالة.

اليوم، الإثنين، أعلن المسلماني عن انطلاق مؤتمر "مستقبل الدراما في مصر"، الذي يعقد يوم الثلاثاء الموافق 22 أبريل 2025 في تمام العاشرة والنصف صباحًا بمقر الهيئة الوطنية للإعلام داخل مبنى الإذاعة والتليفزيون بماسبيرو. لكن الخبر ليس مجرد مناسبة إعلامية تُضاف إلى أجندة النشرات، بل هو إعلان عودة الروح، وبداية مشوار لاستعادة الدراما المصرية مكانتها كحارسة للذوق، وصانعة للوعي، ومرآة للضمير الجمعي.

المسلماني، الذي لا يتحدث إلا حين يحين الفعل، أكد أن المؤتمر جاء استجابة مباشرة لرؤية الرئيس عبد الفتاح السيسي، التي طرحها خلال كلمته في حفل إفطار القوات المسلحة في رمضان الماضي، حين أشار إلى ضرورة تعزيز القيم الأخلاقية، ومواجهة موجات العنف وتعاطي المخدرات والانحراف السلوكي، والعمل على حماية بنية الأسرة المصرية.

وتماشيًا مع هذه الرؤية، أوضح رئيس الهيئة أن المؤتمر سيوجّه الدعوة إلى نخبة من الكتّاب، والمخرجين، والمنتجين، بالإضافة إلى علماء النفس والاجتماع والسياسة والاقتصاد، بهدف الخروج بتوصيات عملية ترفع إلى الجهات المعنية، من أجل بلورة مشروع متكامل لتطوير الدراما المصرية وتوجيهها لخدمة المجتمع وتحقيق التوازن بين الإبداع والمسؤولية.

وما بين السطور، يدرك المتابعون أن هذا المؤتمر ليس مجرد حلقة نقاش، بل هو بداية لمشروع أكبر يقوده رجلٌ وُلد من رحم الفكرة، وشبّ عن طوق التقليد، وآمن أن الثقافة ليست ترفًا، بل سلاح أمّة في معركة البقاء.

لقد جاءت عودة المسلماني إلى المشهد الإعلامي في وقت بالغ الحساسية، في لحظة فارقة تتقاطع فيها تحديات الواقع مع سؤال الهوية. وفي هذا المشهد المرتبك، بدا كأنه استُدعي من ذاكرة الدولة العميقة، لا ليُدير، بل ليقود، ولا ليُجري تعديلات شكلية، بل ليعيد رسم الخريطة من جديد.

من يعرف سيرة أحمد المسلماني يدرك أنه لم يكن يومًا موظفًا في حضرة القلم، بل كان دومًا سيده. كاتبٌ تشهد له مقالاته، ومحاورٌ تشهد له شاشات الحوارات، ومفكر يشهد له التاريخ القريب بجرأته في طرح الأسئلة الكبرى. ولم تكن ثقافته رفاهيةً نخبوية، بل وعيًا متجذرًا في قلب الناس، وإحساسًا دافئًا بمشاكلهم وأحلامهم.

ولذلك، فإن محاولته لإعادة ماسبيرو إلى مجده، ليست مجرد محاولة تنظيمية، بل هي معركة حضارية ضد التآكل المعنوي والانهيار القيمي، ضد رداءة المعروض وسطوة السوق، ضد استسهال الصدمة وابتذال الألم.

أحمد المسلماني لا ينتمي إلى جيل المهادنة، بل إلى جيل الحالمين الواقعيين. أولئك الذين يعرفون أن الإعلام ليس رفاهية، بل ضرورة وطنية، وأن إصلاح الدراما لا يبدأ من ورقة ميزانية، بل من جلسة صدق بين مبدع ومجتمع، بين شاشة وقيم، بين الكلمة ومصيرها.

ومن هنا، فإن مؤتمر "مستقبل الدراما في مصر" هو أكثر من عنوان؛ هو دعوة إلى استعادة البوصلة. إلى أن تكون الدراما مرآة لا تشوّه، بل تصحّح. لا تروّج للسطحية، بل تفتح نوافذ على الجمال والوعي والعمق.

وإذا كان ماسبيرو قد مرّ بسنوات من العتمة، فإن المسلماني لم يأتِ ليُطفئ شمعة، بل ليُشعل قنديلًا. ليُعيد المذيع إلى مكانته، والمخرج إلى رسالته، والكاتب إلى ضميره.

هو لا يعدنا بمستحيلات، لكنه يعدنا بشيء أثمن: أن نحاول بجدية، وأن نعمل في صمت، وأن نؤمن أن مصر تستحق إعلامًا يليق بها، لا ينقل الصوت فقط، بل يصنعه.

وهكذا، يعود ماسبيرو، لا بالصخب، بل بالحكمة. لا بالحنين فقط، بل بالفعل المؤسسي. وفي صميم هذا كله، يقف أحمد المسلماني، رجل المهام الصعبة، يحرس بوابة الكلمة، ويعيد بعيني المثقف وضمير الكاتب، رسم ملامح إعلام يشبهنا... ويُشبه مصر.