في «القمة»… الإعلامية الدكتورة منى العمدة تقرأ تحولات السوق العقاري في السعودية
حين تدخل التنمية طورها الكبير، لا يكفي أن تُقاس بالمشروعات، ولا أن تُختصر في الأرقام، بل تحتاج إلى عقل يشرحها، وصوت يضعها في سياقها، وخطاب يعيد ترتيب معناها في وعي الناس. هنا تحديدًا يتقدم الإعلام من دوره التقليدي إلى موقع أكثر خطورة: موقع تفسير التحولات لا الاكتفاء برصدها. وفي هذا الموضع الحساس، تبرز تجربة الإعلامية الدكتورة منى العمدة بوصفها محاولة جادة لرد الاعتبار للإعلام المتخصص، خصوصًا في واحد من أكثر القطاعات التصاقًا بمستقبل المجتمعات: القطاع العقاري.
لم تتعامل منى العمدة مع العقار باعتباره سلعة، بل بوصفه تعبيرًا عن فلسفة الدولة في البناء، وعن رؤيتها للاقتصاد، وعن تصورها لشكل الحياة القادمة. ومع إطلاقها لبودكاست «القمة»، لم تدخل سباق المحتوى السريع، بل اختارت مسارًا أكثر وعورة: مسار التحليل، وربط السوق بالقرار، والمشروع بالرؤية، والاستثمار بالإنسان.
هذا الحوار لا يكتفي بسؤال التجربة، بل يحاول تفكيكها؛ لا يطارد الخبر، بل يلاحق الفكرة التي تقف خلفه. من البدايات، إلى الاهتمام بالأسواق العقارية، إلى فلسفة «القمة»، إلى الشائعات، إلى المستقبل، تفتح منى العمدة أوراقها كاملة.
- قبل أن ندخل في تفاصيل «القمة»، دعينا نعود خطوة إلى الخلف… كيف تشكلت البدايات الأولى لمنى العمدة، ومتى بدأتِ تدركين أن الإعلام بالنسبة لك ليس مجرد مهنة؟
البدايات الحقيقية لا تُعلن عن نفسها. في حالتي، كان الإعلام مساحة للبحث قبل أن يكون مساحة للظهور. لم أنظر إليه كمنبر، بل كأداة لفهم الواقع. كنت دائمًا مشغولة بالسؤال: لماذا يحدث ما يحدث؟ ومن المستفيد؟ وأين يقف الإنسان وسط هذه التحولات؟
مع الوقت، اكتشفت أن الإعلام السطحي يطمئن الناس مؤقتًا، لكنه لا يضيف شيئًا إلى وعيهم. هنا بدأت تتشكل لديّ قناعة بأن الإعلام الحقيقي هو ذاك الذي يضع القضايا في سياقها الأوسع، ويمنح المتلقي مفاتيح الفهم، لا إجابات جاهزة.
- متى دخل الملف العقاري دائرة اهتمامك، ولماذا هذا القطاع تحديدًا؟
العقار هو أكثر القطاعات كذبًا حين يُقدَّم بسطحية، وأكثرها صدقًا حين يُقرأ بعمق. هو القطاع الذي يكشف نوايا الدولة، وقدرتها على التنفيذ، ورؤيتها للمستقبل. حين تنظر إلى المدن الجديدة، أو المشروعات الكبرى، أنت لا ترى مباني فقط، بل ترى تصورًا كاملًا للحياة.
اهتمامي بالعقار جاء من هذا المنطلق. شعرت أن هناك فجوة كبيرة بين ما يحدث على الأرض، وما يصل إلى المواطن من تفسير وتحليل. أغلب المحتوى كان إما دعائيًا أو تقنيًا مغلقًا. أردت كسر هذه الثنائية.
- هل يمكن القول إن «القمة» جاء لسد هذه الفجوة؟
بشكل واضح. «القمة» لم يُصمَّم ليكون برنامجًا عاديًا، بل منصة معرفة. أردته مساحة تفكير، لا مجرد استضافة أسماء. لذلك حرصت أن يكون المحتوى تحليليًا واستراتيجيًا، يتعامل مع السوق العقاري العربي والخليجي بوصفه منظومة متكاملة، لا جزرًا منفصلة.
- اخترتِ السوق السعودي محورًا رئيسيًا… ما الذي يجعل التجربة السعودية مختلفة في هذه المرحلة؟
ما تشهده المملكة العربية السعودية اليوم ليس طفرة عابرة، بل تحوّل هيكلي عميق تقوده رؤية 2030 بقيادة سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان. نحن أمام إعادة صياغة شاملة لمفهوم الاستثمار، والمدينة، والتنمية المستدامة.
السوق السعودي لم يعد سوقًا محليًا، بل أصبح لاعبًا إقليميًا مؤثرًا، ومحور جذب عالمي. هذا ما يجعل تحليله ضرورة، لا ترفًا إعلاميًا.
- كيف يتعامل «القمة» مع رؤية 2030 دون الوقوع في فخ التكرار أو الخطاب الإنشائي؟
نحن لا نردد شعارات، بل نفكك السياسات. نناقش كيف انعكست الرؤية على تطوير المدن، وعلى الابتكار العقاري، وعلى جذب المستثمرين. نطرح الأسئلة الصعبة: ما الذي تغيّر فعليًا؟ وما الذي ما زال قيد التشكّل؟ وكيف يمكن للمستثمر أو المواطن أن يقرأ هذه التحولات بوعي؟
- شعار «القمة… طريقك للريادة في سوق العقارات» يحمل بعدًا معرفيًا… كيف تُترجم هذه الفكرة عمليًا؟
الريادة لا تأتي من رأس المال فقط، بل من الفهم العميق للسوق. نحن نعمل على تبسيط المفاهيم دون تفريغها من مضمونها. نمنح المشاهد أدوات التفكير، لا وصفات جاهزة. هذا هو جوهر «القمة».
- البرنامج لا يقتصر على السعودية، بل يمتد إلى الخليج ومصر… لماذا هذا الامتداد؟
لأن الاقتصاد لا يعرف الحدود الصلبة. ما يحدث في السعودية يؤثر في الإمارات، وما يجري في الخليج ينعكس على مصر. خصصنا حلقات للأسواق العقارية في الإمارات وقطر وعُمان والبحرين، إلى جانب حلقة مخصصة للسوق المصري، لتقديم صورة متكاملة للتجارب المختلفة، ومقارنة واعية بينها.
- حدثينا عن بنية البرنامج… لماذا هذا التقسيم بين «حوار القمة» و«كتالوج القمة»؟
أردنا الجمع بين العمق وسهولة التلقي. «حوار القمة» مساحة للنقاش التحليلي مع الخبراء وصناع القرار، بينما «كتالوج القمة» فقرة عملية، تقدم معلومات ونصائح تساعد المشاهد على اتخاذ قرارات استثمارية أكثر وعيًا.
- كيف تختارين ضيوف البرنامج؟
نبحث عن أصحاب التجربة، لا أصحاب الألقاب فقط. نريد من عاش السوق، وفهم دوراته، وخاض مخاطره. «القمة» ليس منصة مجاملة، بل مساحة نقاش حقيقي.
- في مسيرتك، طاردتك شائعات… كيف تعاملتِ معها؟
الشائعة اختبار للثبات. تعلمت أن الرد الحقيقي هو الاستمرار في العمل. حين يكون مشروعك واضحًا، ورؤيتك متماسكة، تفقد الشائعة قدرتها على التأثير. أنا أؤمن أن الزمن ينحاز للجادين.
- كيف ترين علاقة الإعلام بالاقتصاد اليوم؟
الإعلام شريك في التنمية، أو عائق أمامها. حين يختار السطحية، يضلل. وحين يختار التحليل، يساهم في بناء وعي جمعي قادر على اتخاذ قرارات أفضل.
- هل ترين أن الإعلام العربي مستعد لهذا النوع من التخصص؟
نحن في مرحلة انتقالية. هناك عطش حقيقي لمحتوى يحترم العقل. الجمهور تغيّر، ولم يعد يكتفي بالشعارات. هذا يمنح الإعلام المتخصص فرصة حقيقية.
- ماذا عن مستقبل «القمة»؟
أطمح أن يتحول إلى مرجع معرفي عقاري عربي، وأن يكون منصة حوار مستمرة، لا برنامجًا موسميًا.
- أخيرًا… كيف ترين نفسك بعد سنوات داخل هذا المشهد؟
لا أسعى للنجومية، بل للأثر. أن أترك محتوى يُفيد، ويُبنى عليه، ويصنع فرقًا في وعي الناس. هذا هو الرهان الحقيقي.