حسن أحمد يكتب: غياب الثورة وعودة عيد الشرطة

يناير 22, 2025 - 10:59
يناير 22, 2025 - 10:59
حسن أحمد يكتب: غياب الثورة وعودة عيد الشرطة

فقدت الاحتفالات بثورة الخامس والعشرين من يناير بريقها وهتافاتها، وكأن الجميع قد تعمّد نسيان هذا اليوم وما حمله من معانٍ وأحداث شكلت علامة فارقة في تاريخ مصر الحديث. وبينما بهتت شعلة الثورة، بقي الاحتفال بعيد الشرطة حاضرًا، حيث تستمر الدولة في إحياء هذا اليوم، تقديرًا للتضحيات الجليلة التي يقدمها رجال الشرطة من أجل الوطن وأمنه.

وليس من باب الصدفة أن يتزامن عيد الشرطة مع الخامس والعشرين من يناير، وإنما كان متعمداً حتي يُمحي هذا العيد من ذاكرة المصريين، ولكن كان من الصعب ذلك، فهذه المناسبة الوطنية والتي تعود جذورها إلى واقعة بطولية شهدتها محافظة الإسماعيلية عام 1952، عندما ضرب رجال الشرطة أروع الأمثلة في الفداء والشجاعة.

ففي ذلك اليوم، حاصرت قوات الاحتلال البريطاني قسم شرطة الثلاثيني بمحافظة الإسماعيلية، مطالبة الضباط والجنود بتسليم أسلحتهم وإخلاء القسم. إلا أن رجال الشرطة، تحت قيادة وزير الداخلية آنذاك فؤاد سراج الدين، رفضوا الرضوخ لتلك المطالب، وقرروا الصمود في وجه القوة الغاشمة.

استمرت المعركة الطاحنة لساعات طويلة، حيث دافع الضباط والجنود عن القسم ببسالة، رغم قلة عددهم وضعف تجهيزاتهم مقارنة بالجيش البريطاني المدجج بأحدث الأسلحة. ومع نفاد ذخيرتهم، لم يكن أمامهم سوى الاستسلام، ولكن بكرامة وشرف. وعندما خرج الناجون من القسم، قام الجنرال البريطاني، تقديرًا لصمودهم الأسطوري، بأداء التحية العسكرية لهم.

لم يكن ذلك اليوم مجرد ذكرى عابرة، بل أصبح رمزًا للكرامة الوطنية ورفض الخضوع للقهر. ومن بين أولئك الأبطال كان الفنان الراحل صلاح ذو الفقار، الذي انضم إلى صفوف الشرطة في شبابه، ليحمل السلاح دفاعًا عن الوطن قبل أن يحمل رسالة الفن.

وللأسف، اليوم نجد الكثير من الأجيال الجديدة تجهل تفاصيل هذه الواقعة البطولية، إذ لم تُمنح حقها الكامل في التوثيق والترويج. وهذا التقصير الإعلامي والتربوي يُحتم علينا أن نعيد إحياء هذه الذكرى في نفوس الأجيال القادمة، ليتعلموا قيمة التضحية من أجل الوطن.

إن عيد الشرطة ليس مجرد احتفال رسمي، بل هو مناسبة تستدعي التوقف أمام تضحيات رجال الأمن الذين يتحملون أعباءً ثقيلة على مدار العام، في سبيل الحفاظ على استقرار البلاد وأمان المواطنين. فكما صمدوا في الماضي أمام الاحتلال الإنجليزي، يواصلون اليوم مواجهة تحديات لا تقل ضراوة، سواء في مكافحة الإرهاب أو حماية المجتمع من الجريمة.

وعلينا أن نعيد إحياء الوعي بأهمية هذا اليوم لدى الأجيال الشابة، ليدركوا أن حرية الوطن وأمنه لم تكن وليدة اللحظة، بل هي نتاج كفاح طويل وتضحيات جسيمة. فبينما نتذكر ثورة يناير بما حملته من طموحات للتغيير، يجب ألا ننسى جذور ذلك اليوم المتمثلة في بطولات رجال الشرطة في قسم الثلاثيني بمحافظة الإسماعيلية، والتي ستظل محفورة في سجل الوطن كأحد أعظم ملاحمه.