الكاتب الصحفي خيري حسن يكتب: مات "عيسي"..ومات "نجم"..ومات الشيخ إمام.. وتركونا ننتظر - ومازلنا ننتظر
ذات مرة - أو أكثر من مرة الحقيقة - وجدت نفسي أقف أمام مشاهد متتابعة، ومتتالية، من نضال الكاتب والباحث والصحفى والسياسي الكبير صلاح عيسي - الذى علمنا بكتاباته "السحر" - ذلك النضال الذى دفع من أجله ثمناً فوق طاقته - حيث طُرد من صحيفته (الجمهورية 10 سنوات، واعتقل وسجن 10 سنوات على فترات منذ الستينيات وحتى الثمانينيات) ودفعه ثمناً من إبداعه الفكري والصحفي الذي لم يأخذ منه ما يستحقه (كان يسكن شقة 100 متراً تقريباً ولا يمتلك سيارة.. حتى سيارة فيات - 128) أمام ذلك كله - أو البعض منه - كنت أقف دائماً مبهوراً ومسحوراً بسحر هذا الأستاذ الفريد.
وفى يوم من أيام صيف عام 2009 كنت( فوق جبل المقطم) مع عمنا أحمد فؤاد نجم فى بيته، جاءت سيرته. فقال: "صلاح؟!.. طيب وهو صلاح ده فيه زيه..؟".. ثم سكت قبل أن يقول:
"ده كاتب مجبتوش ولّاده.. ده جن مصور"!
وكلما ذهبت للأستاذ صلاح عيسى فى صحيفة "القاهرة" ( وأنا لم أعمل معه صحافة للأسف) أو قابلته فى كواليس استوديوهات البرامج الفضائية (حيث عملت مُعد برامج فترة من الزمن وهو كان ضيفاً دائماً فيها) وذكرت له رأي عم ( نجم) فيه، كان يضحك ضحكة من القلب تكاد - من فرط قوتها - أن تسقط الديكور الذي كنا نقف بجواره فوق رؤوسنا!
وذات مرة وأنا معه فى ستوديو من ستوديوهات مدينة الإنتاج الإعلامي - بمدينة السادس من أكتوبر - غرب القاهرة - وقبل أن يسقط السقف فوقنا من ضحكته المتحشرجة فى صدره وصوته.
سألته: أستاذ صلاح.. متى عرفت الفاجومي؟ رد وهو مازال يحاول إسكات صوت ضحكاته حولنا قائلاً: "عرفته فى سنوات الكفاح والصلاح والإصلاح.. فى سنوات الآمال والأحلام والليالى "الملاح"!
"صرخة جيفارا يا عبيد
فى أي مُوطن أو مكان
ما فيش بديل
ما فيش مناص
يا تجهّزوا..
جيش الخلاص
يا تقولوا ع العالم خلاص"
يقول: " كنا فى عام 1967 وكان صديقي أحمد الخميسي (هكذا يتذكر صلاح عيسى) يغني هذه الكلمات التى قال إنها لشاعر اسمه أحمد فؤاد نجم، ومن ألحان شيخ ضرير اسمه الشيخ إمام عيسى. ومنذ هذه اللحظة احببتهما معاً، وعرفتهما معاً وذهبت إليهما معاً وجلست معهما ساعات طويلة فى حجرة متواضعة فى حارة كان اسمها "خوشقدم" - ومعناها حارة قدم الخير - ومنذ اللقاء الأول بيننا أحببت غناءهما الشجي الحزين.. وسُجنت معهما (خاصة نجم الذي سُجنت معه مرتين) وأعجبت جداً (إلى حد الفتنة والولع) بشخصية هذا الشاعر الذي عرفه الناس فى سن الأربعين ليصبح فى سنوات قليلة شاعراً له عالمه الخاص بين شعراء العربية فى الماضي والحاضر!
وقبل أن يغادر صلاح عيسي الاستوديو ليستقل السيارة عائداً من حيث جاء، وجدته يسألني وهو يضحك:
"يعني عمك أحمد قالك صلاح ده جن (مصور)"؟!
رديت: " آه " قال كده أكتر من مرة!
رد بصوته المجلجل:""جاك جن أما يلخبط مخك أنت وهو".. قولها وهو يشعل سيجارته بعدما جلس بجوار السائق مواصلاً فاصلاً من الضحك الذي لا يريد له أن يتوقف منه ومن السائق ...ومنى أنا طبعاَ!
فيما انطلق السائق بالسيارة التى ودعتها ببصري حتى غابت خلف البنايات العالية، وجدت نفسي أقول
مات صلاح عيسي.. ومات أحمد فؤاد نجم.. ومات الشيخ إمام.. وتركونا ننتظر - ومازلنا ننتظر - (جن) جديد.. ويكون( متصور)!
- الأحداث حقيقية..والسيناريو من خيال الكاتب