مصطفى صلاح يكتب: سامي العدل الرجل الذي «مَثَّل قلوبنا ولم يُمثّل علينا»

يوليو 13, 2025 - 23:32
يوليو 14, 2025 - 13:04
مصطفى صلاح يكتب: سامي العدل الرجل الذي «مَثَّل قلوبنا ولم يُمثّل علينا»

يا سامي، أما زلتَ هناك؟ أما زال دفءك مقيمًا في الغياب؟ أما زالت الكاميرا ترتجف حين تمرّ صورتك، كأنها تخاف أن تُفسد عليك هيبتك؟

أيها العابر من حارة القلب إلى شاشة الذاكرة، كأنك لم تمت. لم نُصدقك حين انسحبت، ولا صدّقناك حين سكن الجسد، وأقيم العزاء. لأن من كان مثلك لا يوارى في تراب، بل يسكن في صدورنا، كما يسكن النداء في أول الليل، وكما تسكن الحكاية في فم الجدة.

كلما مرّ وجهك على الشاشة، ناديناك، فهل تسمع؟

كلما ابتسمت تلك الابتسامة الوادعة التي تحمل سكينة الناس الطيبين، سالت الذكرى كدمعٍ خفيف في طرف العين.

كنت تمثل، لكنك لم تكن تمثّل، كنت تقول، لكنك لم تكن تردد النص، بل كأنك تبوح بسرّ لم يقله أحد قبلك.

يا سامي، يا ابن الطيبة الصافية، يا من خَبِرت الوجع، فصرت ملجأً لكل خائفٍ في الكواليس، ولكل ممثلٍ مبتدئ يرتجف أمام أول جملة... أين ذهبت؟ ومن الذي استأثر بك في زمنٍ ما عاد فيه الصدق يُكرَّم؟

أتذكُر حين كنا نراك في لقطة عابرة، فنعرف أن المشهد لك، وأن الحكاية لك، وأن المَخرج وإن لم يذكرك في التتر، قد وضعك في القلب؟

أتذكر بيتك الذي ظلّ مفتوحًا للفن كما تُفتح الأضرحة للزائرين؟

كان بيتك يا سامي، لا غرفةً ولا جدرانًا، بل حضنًا كبيرًا يتّسع للجميع. لا أحد خرج منك خائبًا، ولا أحد جلس إليك إلا وخرج أقوى. كنت تمشي إلى جوارنا، لا فوقنا، وتمدّ يدك دون منٍّ ولا زهو.

أيها النبيل، يا من سكن الشجن في عينيه، ما زالت تلك النظرة تسبقك، وتدلّ عليك. لم نرَ فيك بريقًا من صخب، بل بريقًا من ضوءٍ داخلي، يُضيء للآخرين ولا يحرقهم. كنت تمثّل وكأنك تتلو آية، تهزّ القلب وتدفعه لأن يوقن أن الجمال لا يحتاج إلى زينة، بل إلى صدق.

كنا إذا رأيناك على الشاشة، صدّقنا الحكاية.

وإذا تحدثت، أصغينا، لأن صوتك لا يأتي من حنجرة، بل من سيرة طويلة من الحبّ والتعب والإخلاص.

وإذا غضبت، شعرنا أن الغضب شريف، لا للرياء، بل للحق.

وإذا هدأت، علمنا أن الهدوء ليس خنوعًا، بل حكمة من عاش، وفهم، وسكت عن كثيرٍ لا يُقال.

نحن نشتاق إليك يا سامي...

نشتاق لصوتك الخفيض، حين تُهوّن على من ضاقت به السبل.

نشتاق لطلتك التي كانت تسبِقك ولا تستعرض.

نشتاق لجلستك، لضحكتك، لوقفتك البسيطة التي تختصر كثيرًا من الكلام.

كنا نحسبك تعيش بيننا، فإذا بك تسكن فينا.

كنا نحسبك ممثلًا، فإذا بك إنسانٌ يسع أدوارًا لا تُكتب.

كنت الأخ في زمن البرد، والصديق حين تشحّ الرفقة، والمعلم حين يضيع الدرس.

أيها الحبيب، لم ننصفك كما ينبغي، لم نمنحك ما تستحق من التصفيق، لأننا ظننا أنك باقٍ، وأنك لن ترحل.

لكن الكبار يا سامي، لا يرحلون ببطء، بل يخطفهم الغياب كما تخطف الريح ورقةً ذهبية في آخر الخريف.

هنا نحن، نبحث عنك في السطور، في الشاشة، في الكلام، فنجدك دائمًا، كأنك لم تغادر قط.

صوتك يأتينا حين نغلق التلفاز، وصورتك تمشي معنا في الطرقات، كأنها طيف من زمنٍ أحببناه ولم نعرفه إلا بك.

نحن نشتاق، ولا شفاء من هذا الاشتياق، نكتب إليك، لا رثاءً، بل رسالة محبة متأخرة، نعلّقها على باب الذاكرة.

يا سامي العدل...

لك الرحمة ما دامت الأرواح تُدرك الرحيل، ولك السلام ما دام الفن يعرف أهله،ولك المحبة... أبدًا.. الف رحمه ونور عليك يا «سمسم»