سعيد عبد الغني: من الصحافة إلى نجومية الفن
كتبت: أميرة الجارحي
عندما نتحدث عن عمالقة الفن المصري، لا يمكننا أن نتجاهل اسم الفنان الكبير سعيد عبد الغني. ذلك الرجل الذي تألّق بأدواره المتنوعة في السينما والتلفزيون، وحفر اسمه بحروف من ذهب في سجل الفن العربي. لم يكن سعيد عبد الغني ممثلاً تقليديًا، بل كان فنانًا متعدد المواهب والاهتمامات، حيث بدأ حياته صحفيًا قبل أن يتألق في عالم التمثيل، ليُثبت أن الموهبة الحقيقية يمكن أن تفرض نفسها في أي مجال. هذا التقرير يُلقي الضوء على حياته الشخصية، ومشواره الفني الزاخر، وإرثه الذي لا يزال يعيش بيننا.
وُلد سعيد عبد الغني في 23 يناير عام 1938، في قرية "نوسا الغيط" بمحافظة الدقهلية. كان ينتمي لأسرة بسيطة لكنها تقدّر التعليم والثقافة. منذ صغره، أبدى شغفًا كبيرًا بالأدب والفنون، ما جعله دائم البحث عن طريق يعبر من خلاله عن مواهبه.
تخرج من كلية الحقوق، إلا أن الصحافة كانت محطته الأولى. عمل في مؤسسة "الأهرام" الشهيرة، حيث بدأ كمحرر في قسم الحوادث، ثم انتقل إلى قسم الفن. خلال عمله الصحفي، كان يلتقي بكبار الفنانين والمخرجين، مما جعله يقترب من عالم التمثيل. ورغم نجاحه في الصحافة، إلا أن حب الفن كان أقوى، ليبدأ رحلته في التمثيل وهو في الثلاثينيات من عمره، بعد أن وجد نفسه أمام فرصة لتحقيق شغفه الأكبر.
على الجانب العائلي، عاش سعيد عبد الغني حياة هادئة ومستقرة. كان معروفًا بتواضعه وحبه لعائلته، وقد أثّر هذا الاستقرار في أدائه الفني الذي كان دائمًا عميقًا ومليئًا بالمشاعر. أنجب ابنه الوحيد "أحمد سعيد عبد الغني"، الذي سار على خطاه في مجال التمثيل، وحقق نجاحًا كبيرًا بدوره.
بدأ سعيد عبد الغني مشواره الفني من المسرح، حيث قدّم أدوارًا صغيرة أظهرت إمكانياته الكبيرة. ثم اتجه للسينما والتلفزيون، ليصبح واحدًا من أبرز نجوم جيله. عُرف بقدرته الفريدة على تقمّص الشخصيات المختلفة، سواء كان في أدوار الشر أو الطيبة، وسواء كانت الأدوار الرئيسية أو الثانوية.
في السينما: تألق بلا حدود
شارك سعيد عبد الغني في العديد من الأفلام السينمائية التي أصبحت أيقونات في تاريخ الفن المصري، ومنها:
إحنا بتوع الأتوبيس (1979): واحد من أعظم أدواره، حيث جسّد معاناة السجناء السياسيين في فترة الستينيات.
الكرنك: عمل درامي سياسي جسّد فيه دورًا مميزًا كشف قضايا القمع والتعذيب.
مهمة في تل أبيب: فيلم وطني ناقش قضايا الجاسوسية والصراع العربي الإسرائيلي.
حبيبي دائمًا: من الأفلام الرومانسية التي لاقت نجاحًا كبيرًا، حيث شارك مع النجم نور الشريف والنجمة بوسي.
تميز سعيد عبد الغني أيضًا في الدراما التلفزيونية، حيث شارك في مسلسلات لا تزال خالدة في ذاكرة الجمهور، مثل:
لن أعيش في جلباب أبي: قدم فيه دورًا لامعًا أثبت من خلاله تنوعه في الأداء.
المال والبنون: مسلسل درامي اجتماعي ناقش قضايا الطمع والخيانة، وكان أحد أبرز أدواره التلفزيونية.
الفرسان: عمل تاريخي مميز تناول فترة حروب الفرنجة، وأبرز قدراته في تجسيد الأدوار التاريخية.
الحاوي: مسلسل تناول صراعات الخير والشر بأسلوب مميز.
التكريمات والجوائز
طوال مسيرته الفنية، حصل سعيد عبد الغني على العديد من الجوائز والأوسمة تقديرًا لأدواره المؤثرة. كان أبرزها:
"وسام الدولة للفنون" عام 1996.
جائزة أفضل ممثل دور ثانٍ عن فيلم إحنا بتوع الأتوبيس.
تكريمه في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، اعترافًا بمكانته في السينما المصرية.
على الرغم من شهرته الكبيرة، إلا أن سعيد عبد الغني كان شخصًا بسيطًا في حياته اليومية. كان يعشق القراءة، خاصة الكتب التاريخية والفلسفية، مما انعكس على عمق أدائه الفني. كان محبًا لعائلته، وداعمًا دائمًا لابنه أحمد، الذي اعتبره خير امتداد لمسيرته الفنية.
لم يكن إرث سعيد عبد الغني مجرد أفلام ومسلسلات، بل كان مدرسة في التمثيل. تعلّم منه الجيل الجديد كيفية تقديم الشخصية بإحساس عالٍ وصدق، بعيدًا عن التصنّع. وكان ابنه أحمد سعيد عبد الغني خير من حمل هذا الإرث، حيث استطاع أن يثبت نفسه في عالم التمثيل، محافظًا على اسم عائلته في ذاكرة الفن المصري.
وفاتة
في 18 يناير 2019، رحل سعيد عبد الغني عن عالمنا بعد صراع مع المرض، تاركًا وراءه إرثًا فنيًا خالدًا. وبرحيله، فقدت السينما المصرية واحدًا من ألمع نجومها، لكن أعماله لا تزال شاهدة على موهبته الفريدة وإبداعه الكبير.
سعيد عبد الغني ليس مجرد اسم في عالم الفن، بل هو رمز للموهبة الحقيقية والإبداع المستمر. حياته كانت رحلة ملهمة تجمع بين الشغف، العمل الجاد، والوفاء للقيم الإنسانية والفنية. ستظل أعماله نبراسًا يُضيء طريق كل من يحلم بأن يترك بصمة خالدة في عالم الفن.