د. أيمن إمام يكتب: الصيام المتقطع بين العلم والادعاءات.. قراءة تحليلية في أحدث الأدلة

Sep 20, 2025 - 13:40
د. أيمن إمام يكتب: الصيام المتقطع بين العلم والادعاءات.. قراءة تحليلية في أحدث الأدلة

في السنوات الأخيرة، تصدّر "الصيام المتقطع" المشهد الصحي والإعلامي باعتباره وسيلة فعّالة لإنقاص الوزن وتحسين الصحة العامة، بل وحتى إطالة العمر. ورغم أن الفكرة ليست جديدة، إلا أن انتشارها السريع بين الناس والأطباء أثار تساؤلات حول حقيقة فوائدها، ومدى متانة الأدلة العلمية التي تدعمها. فهل نحن أمام ثورة غذائية أم مجرد "موضة صحية" عابرة؟

 ما هو الصيام المتقطع؟ 

الصيام المتقطع ليس نظامًا غذائيًا تقليديًا بقدر ما هو نمط غذائي يعتمد على التناوب بين فترات الصيام وتناول الطعام، وليس على تحديد أنواع الطعام نفسها.

يركّز هذا النمط على متى تتناول وجباتك بدلًا من ماذا تأكل، ويُتّبع غالبًا بهدف إنقاص الوزن وتحسين بعض المؤشرات الصحية مثل التمثيل الغذائي وعمليات الإصلاح الخلوي.

 ومن أشهر أنواعه:

نظام ١٦/٨: الامتناع عن الطعام ١٦ ساعة وتناول الطعام خلال ٨ ساعات.

نظام ٥:٢ تناول الطعام بشكل طبيعي ٥ أيام، وتقييد السعرات بشكل شديد يومين غير متتاليين.

الأكل في وقت محدد: مثل تناول الطعام فقط بين الساعة ٨ صباحًا و٦ مساءً.

ويختلف عن التجويع أو الحمية القاسية، إذ يُفترض أن يسمح بتناول الطعام بحرية نسبية في أوقات الأكل.

 كيف يعمل الصيام المتقطع؟ (الآليات البيولوجية المحتملة)

أظهرت الأبحاث أن الصيام المتقطع قد يؤثر إيجابيًا عبر عدة مسارات:

- تحفيز الالتهام الذاتي: وهي عملية تنظيف الخلايا من السموم والمكوّنات التالفة.

- تحسين حساسية الإنسولين: إذ ينخفض مستوى الإنسولين في الدم أثناء الصيام، مما يدفع الجسم لاستخدام الدهون المخزنة كمصدر للطاقة، ويساعد على تقليل مقاومة الإنسولين.

- زيادة إفراز هرمون النمو: والذي يساعد في بناء العضلات وتقليل تخزين الدهون.

- خفض الالتهابات ومؤشرات الإجهاد التأكسدي.

- تعديل الميكروبيوم المعوي بطريقة قد تدعم التمثيل الغذائي.

 ماذا يمكن أن أتناول أثناء الصيام المتقطع؟

خلال فترات الصيام يمكنك شرب الماء والمشروبات الخالية من السعرات (من دون سكر أو محليات صناعية)، مثل القهوة، الشاي، أو شاي الأعشاب.

أما خلال فترات تناول الطعام، فالأمر لا يعني الإفراط في الأكل.

تشير الأبحاث إلى أنه من غير المرجّح أن تفقد وزنك أو تتحسن صحتك إذا كانت وجباتك مليئة بالوجبات السريعة عالية السعرات، والمقليات، والحلويات الغنية بالدهون والسكريات.

يُعتبر النظام الغذائي المتوسطي نموذجًا جيدًا سواء مع الصيام المتقطع أو بدونه، حيث يشمل:

الخضروات الورقية، الفواكه، الدهون الصحية، البروتينات قليلة الدهون، والكربوهيدرات المعقدة غير المكرّرة مثل الحبوب الكاملة.

 ماذا تقول الدراسات والأبحاث؟

في دراسة لماتسون وآخرين، نُشرت في مجلة نيو إنجلاند الطبية، وُجد أن الصيام المتقطع لا يقتصر على حرق الدهون فقط، بل يُحدث تغييرات عديدة في الجسم يمكنها أن تحمي الأعضاء من الأمراض المزمنة مثل السكري من النوع الثاني، وأمراض القلب، والاضطرابات العصبية التنكسية المرتبطة بالعمر، وحتى بعض أنواع السرطانات.

وأظهرت الدراسة أن من فوائده المحتملة: عمر أطول، جسم أنحف، وعقل أكثر حدة.

 فيما يلي أبرز الفوائد التي كشفت عنها الأبحاث:

- إنقاص الوزن: تشير معظم التجارب إلى أن الصيام المتقطع يؤدي إلى فقدان وزن مشابه لما تحققه الأنظمة الغذائية التقليدية (تقييد السعرات المستمر)، لكن البعض يجد الصيام أسهل من حيث الالتزام.

- التحكم في سكر الدم: أظهرت الأبحاث أن الصيام المحدد بالوقت حسّن من حساسية الإنسولين لدى مرضى ما قبل السكري، وساعد على خفض مستويات الجلوكوز والإنسولين. كما وجدت بعض الدراسات أن مرضى السكري من النوع الثاني، تحت إشراف طبي، تمكنوا من تقليل حاجتهم إلى العلاج بالإنسولين.

- القلب والأوعية الدموية: بيّنت الأبحاث أن الصيام أدى إلى تحسّن في ضغط الدم والدهون الثلاثية، بينما كان التأثير على الكوليسترول الكلي والنافع متباينًا.

- الشيخوخة وطول العمر: هناك أدلة قوية من التجارب على الحيوانات بشأن إطالة العمر وتأخير الشيخوخة، لكن الدراسات البشرية طويلة الأمد ما زالت محدودة.

- وظائف الدماغ والجهاز العصبي: قد يعزز الصيام المتقطع من أداء الدماغ والذاكرة.

- الأداء البدني: أظهرت بعض الدراسات على الشباب أن الصيام لمدة ١٦ ساعة أدى إلى فقدان الدهون مع الحفاظ على الكتلة العضلية.

هل الصيام المتقطع آمن للجميع؟

يلجأ بعض الأشخاص إلى الصيام المتقطع لإنقاص الوزن، بينما يستخدمه آخرون كجزء من علاج أمراض مزمنة مثل متلازمة القولون العصبي، وارتفاع الكوليسترول، والتهابات المفاصل.

ورغم فوائده، إلا أن الصيام المتقطع ليس مناسبًا للجميع. لذا، قبل تجربته (أو أي حمية غذائية أخرى) يجب استشارة الطبيب أولًا.

 الفئات التي يُنصح بتجنبه لها:

- الحوامل والمرضعات.

- الأطفال والمراهقون أقل من ١٨ عامًا.

- مرضى السكري من النوع الأول الذين يتناولون الإنسولين.

في المقابل، أظهرت بعض التجارب السريرية أنه قد يكون آمنًا لمرضى السكري من النوع الثاني وكبار السن، لكن دائمًا تحت إشراف طبي.

 الخلاصة

الصيام المتقطع أداة غذائية واعدة، مدعومة بأدلة جيدة على إنقاص الوزن وتحسين التمثيل الغذائي. لكنه حتى الآن لا يُثبت تفوقًا واضحًا على الحميات الأخرى أو أنه "إكسير الشباب".

 التوصية العملية: يمكن استخدامه كخيار آمن وفعّال لبعض الأشخاص، بشرط أن يتم تحت إشراف طبي، مع مراعاة الاستجابات الفردية والقدرة على الالتزام بالنظام.