أحمد زكريا يكتب: مصر والمصريين والجيش المصري عندما يبدأ التاريخ وينتهي

يناير 31, 2025 - 12:20
أحمد زكريا يكتب: مصر والمصريين والجيش المصري عندما يبدأ التاريخ وينتهي

إن دراسة التاريخ هي استشراف للمستقبل، ولأن دروس التاريخ تتكرر وتدور عجلة الزمن، فتحوي الأيام والأزمنة قصصًا عبر التاريخ القديم والحديث، ومنها العبر ونستخلص منها الدروس. وكما قال أحد المفكرين: "من لم يقرأ درس التاريخ، كتب عليه أن يعيده مرة أخرى". لذا وجب علينا أن نقرأ التاريخ قراءة تحليلية ودقيقة، لنأخذ حذرنا من أعدائنا الذين يتربصون بنا الدوائر، ولنفهم حركة التاريخ الدائرة المستمرة التي تسحق من لم يفهمها. فممالك تقوم على أنقاض ممالك أخرى، لا لشيء، ولكن لأن من عاندوا فهم التاريخ ولم يقرأوه، داسهم التاريخ بعجلاته الزمنية. فمثلاً، نجد أن نابليون لم يتعلم من الإنجليز عندما غزوا روسيا، فمنوا بهزيمة عسكرية بسبب اتساع رقعة الدولة القيصرية، فكتب عليه أن يفقد 900 ألف جندي من جنوده البالغ عددهم 925 ألفًا. وكذلك هتلر، عندما أرغم جيوشه النازية على دخول الأصقاع الروسية في وقت الشتاء دون انتظار الإمدادات، هو الآخر لم يتعلم من نابليون ولم يقرأ التاريخ جيدًا، فأبيدت فرق كاملة من الألمان بل جيوشهم.

ما عرف بلد من بلدان العالم تم تكريمه في الكتب السماوية الثلاث مثل مصر. فقد ذكرت في التوراة أن من مسها بسوء، قصمه الله، وذكرت في القرآن في خمس مواضع بالاسم وفي 28 موضعًا بالإشارة. ولما سمعت السيدة مريم العذراء عن المعجزات والعجائب من سيدنا عيسى عليه السلام في صغره، وخافت عليه من القتل على يد بني إسرائيل، أوحى الله لها بأن تنطلق به إلى أرض مصر لما فيها من الأمن والأمان. ومصر قد تولى أمر اقتصادها سيدنا يوسف عليه السلام فصار وزيرًا للاقتصاد في عهد أمنحتب الرابع.

عندما عرفت مصر ديانة التوحيد، وذكرت في الأحاديث الشريفة، حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث مرفوع: "إن الله سيفتح عليكم بعدي مصر، فاستوصوا بقبطها خيرًا، فإن لكم منهم صهرًا وذمة". فلقد تزوج إبراهيم عليه السلام بهاجر، أم سيدنا إسماعيل، وكانت من قرية الفرما. ويوسف عليه السلام تزوج ببنت أمير عين شمس. وتزوج رسول الله بمارية القبطية. وروي أن يوسف الصديق، عندما دخل مصر، قال: "اللهم إني غريب فحببها إليَّ وإلى كل غريب". فاستجيبت دعوته، فما يدخل مصر غريب حتى الآن إلا ويحبها ويحب المقام بها. وسميت مصر على اسم مصريم بن بيصر بن حام بن نوح، بعدما دعا له جده نوح بأن يبارك الله فيه وفي أولاده، وأن يسكن الأرض المباركة. فكان أول من سكن مصر بعد الطوفان مصريم، وبه سميت مصر.

وعن عبد الحكم عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إذا فتح الله عليكم مصر فاتخذوا فيها جندًا كثيفًا، فهم خير أجناد الأرض". فقال أبو بكر: "لم يا رسول الله؟" قال: "لأنهم وأزواجهم في رباط إلى يوم القيامة". وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال: "قسَّمَت البركة عشرة أجزاء، ففي مصر بركة أضعاف ما في جميع الأرضين". وعَن أبي موسى الأشعري قال: "أهل مصر الجند الضعيف، ما كادهم أحد إلا كفاهم الله موتته".

وسكن بمصر من الأنبياء سيدنا إدريس عليه السلام، وقد جمع النبوة والملك والحكمة. وكان بها إنيمايتون، وفيثاغورس، وإليهم يوكل علم الكيمياء والنجوم وأسرار الطبيعة، وكذلك بن سينا وجالينوس الطبيب. ومن فضائلها أن الأنبياء دعوا لها، فعن عبد الله بن عمر قال: "لما خلق الله تعالى آدم ومثل له الدنيا شرقها وغربها وسهولها وجبالها وبرها وبحرها، فلما رأى مصر، رأى أرضًا سهلة ذات نهر جارٍ ينحدر من سدرة المنتهى وهو أعلى مكان في الجنة، وتمزجه الرحمة. ورأى جبلاً من جبالها مكسورًا بالنور، لا يخلو من نظر الرب إليه، فأعجب بها آدم ودعا لمصر بالرحمة والرأفة وباركها سبع مرات. فكان آدم أول من دعا لها، ودعا لها نوح عليه السلام بعد الطوفان بالخصب والبركة".

وكلم الله موسى على جبل الطور والوادي المقدس طوى. ولقد عم الله من قبلنا من الأمم بعذاب أليم، فنجد أن قوم عاد أبادهم الله عن بكرة أبيهم بريح صرصر عاتية، وقوم ثمود أهلكهم الله بالصيحة، وقوم لوط أبيدوا وخسف بهم الأرض. فلا يعذب الله أهل مصر أبدًا بعذاب عام، فمثل ما حدث مع قارون، فقد قال تعالى: "ولقد خسفنا به وبداره الأرض". ولم يهلك مصر وأهلها على ما فيها من ظلم في ذلك الوقت. وعندما أهلك فرعون وجنده بعدما عبروا اليم وأغرقهم، لم يهلك أهل مصر.

ولما جاء نابليون إلى مصر في الحملة الفرنسية، قال عن أهلها: "لقد خدعنا هؤلاء المستشرقون عن هذه الأمة، إنها أمة باسلة هادئة معتزة بنفسها". وكتب أخوه لوي: "إنهم قوم شجعان، ففي الشعب رباطة جأش مدهشة، فلا شيء يهزهم. والموت عند أحدهم ليس إلا كرحلة عبر المحيط الأطلسي، ووجوهنا بالمقارنة لوجوههم كوجوه الأطفال".

وعندما جاء نابليون إلى مصر، جاء ومعه العلماء الفرنسيون في كل مجال، فطاف علماء الزراعة ببر مصر من شرقها لغربها ومن شمالها لجنوبها، وكتب كبيرهم تقريرًا لنابليون يقول فيه إن مصر تصلح أرضها لزراعة جميع المحاصيل الموجودة في أقطاب الأرض الأربعة، وإن مصر لو زرعت بأكملها لكفى خراجها الأرض، يقصد الكرة الأرضية.