مصطفى صلاح يكتب: سامي عبد الراضي – القلم الذي لا ينكسر والصحفي الذي لا يهدأ

في عالم الصحافة، هناك أسماء تتكرر دون أن تترك أثرًا، وأسماء تُسطَّر بحروف من نور، تفرض نفسها على المهنة والتاريخ، وتشكل بصمة لا تُمحى في مسيرة الإعلام. سامي عبد الراضي ليس مجرد اسم في قائمة الصحفيين، بل هو مدرسة في الصحافة، ونموذج للمهنية والالتزام، وقصة نجاح لم تأتِ من فراغ، بل من سنوات طويلة من العمل الدؤوب، والرؤية الثاقبة، والإحساس الصادق بالمهنة التي أحبها فأعطته كل شيء.
منذ اللحظة الأولى التي خطا فيها إلى عالم الصحافة، لم يكن مجرد ناقلٍ للأخبار، بل كان صانعًا لها، يبحث عن الحقيقة حيث يخشى الآخرون الاقتراب، يخوض غمار التفاصيل، ويدقق في كل كلمة، ويراجع كل معلومة، لأنه كان يدرك أن الصحافة مسؤولية، والكلمة أمانة، والسبق الصحفي الحقيقي ليس مجرد الوصول إلى المعلومة أولًا، بل تقديمها بأمانة واحترافية دون تزييف أو تلاعب.
لم يكن نجاحه وليد الصدفة، بل هو نتيجة رحلة طويلة من العمل والإبداع، بدأت من كبرى المؤسسات الصحفية، حيث كان أحد المؤسسين الأوائل لصحيفتي "المصري اليوم" و"الوطن"، الصحيفتين اللتين أحدثتا نقلة نوعية في الصحافة المصرية، ووَضَعَتا معايير جديدة للمصداقية والسبق الصحفي. لم يكن دوره مجرد اسم يُضاف إلى طاقم التحرير، بل كان جزءًا من الروح التي صنعت هوية هذه الصحف، وشريكًا في صياغة نهجها التحريري الذي جعلها تتربع على عرش الصحافة المستقلة في مصر.
لكن الطموح لا يعرف حدودًا، والمبدع الحقيقي لا يتوقف عند محطة معينة، بل يسعى دائمًا إلى الأفق الأوسع. وهكذا، انطلق في رحلة جديدة، ليكتب فصلًا آخر من النجاح، وهذه المرة في التلفزيون. ومع الإعلامي الكبير معتز الدمرداش، لم يكن مجرد مسؤول تحرير أو مستشار صحفي، بل كان العقل المدبر، الرجل الذي يقف خلف الكواليس ليجعل كل شيء أمام الكاميرا متقنًا ومؤثرًا.
كان السر الحقيقي وراء نجاح البرنامج، لأنه لم يكن يعمل في الظل فقط، بل كان ينير الطريق لمن أمامه، يدير المحتوى بذكاء، يختار القضايا التي تهم المواطن، ويخلق زوايا جديدة للطرح الإعلامي. لم يكن مجرد ناقلٍ للأخبار اليومية، بل كان صانعًا للأحداث، يوجه بوصلة النقاش نحو القضايا الجوهرية، ويحوِّل كل حلقة إلى مساحة حقيقية للحوار والتأثير.
لكن، كما هو الحال دائمًا، لم يكن هذا النجاح سوى محطة جديدة في مسيرته، لأن الصحفي الحقيقي لا يكتفي بالعمل تحت مظلة الآخرين، بل يسعى لصنع موقعه الخاص، ليقدم رؤيته الإعلامية كما يؤمن بها. ومن هنا، جاءت تجربة موقع تليجراف مصر، التي لم تكن مجرد موقع إخباري آخر، بل كانت مشروعًا طموحًا حمل بصمته منذ اللحظة الأولى.
في وقت كانت فيه الساحة الإعلامية تعج بالمحتوى المكرر، والمواقع التي لا تقدم جديدًا، استطاع سامي عبد الراضي أن يجعل من موقع تليجراف مصر موقعًا مختلفًا، يتميز بالمصداقية، وينفرد بالمحتوى العميق، والتحقيقات الاستقصائية التي تعيد للصحافة قيمتها الحقيقية. لم يكن مجرد ناقلٍ للأحداث، بل كان صانعًا لها، يسبق الجميع في التقارير الحصرية، ويسلط الضوء على القضايا التي تهم المواطن المصري، بعيدًا عن الإثارة الرخيصة والعناوين الجوفاء.
تحت قيادته، أصبح موقع تليجراف مصر منبرًا للصحافة الجادة، حيث يكتب الصحفيون بحرية، ويبحثون بجرأة، وينقلون الحقيقة دون تزييف. لم يكن الموقع مجرد مشروع مهني، بل كان رؤية متكاملة، تؤمن بأن الصحافة ليست مجرد نقلٍ للأخبار، بل هي مسؤولية تجاه المجتمع، وصوت للمواطن البسيط، ومنبر للحوار الحر والنقد البنَّاء.
ما يميزه كرئيس تحرير هو رؤيته المتجددة، وإدارته الحكيمة لفريقه، حيث منح الصحفيين المساحة ليبدعوا، وخلق بيئة عمل قائمة على الشغف والاحترافية. لم يكن مديرًا تقليديًا، بل قائدًا يعرف كيف يوجه دفة السفينة وسط الأمواج العاتية. بفضله، تحوَّل موقع تليجراف مصر إلى واحد من أكثر المواقع الإخبارية تأثيرًا وانتشارًا، وأصبح مصدرًا موثوقًا يثق به القارئ، ويستشهد به الإعلام.
لكن السر الحقيقي وراء نجاحه لم يكن فقط في مهارته الصحفية، بل في إحساسه العالي بالمهنة، وفي إيمانه العميق بأن الصحافة ليست مجرد وظيفة، بل رسالة، وأن الصحفي الحقيقي لا يسعى فقط وراء الخبر، بل وراء الحقيقة، ولا يكتب فقط لينقل، بل ليُحدِث تغييرًا، ويترك أثرًا.
موقع تليجراف مصر لم ينجح فقط لأنه موقع جيد، بل لأنه يحمل روح سامي عبد الراضي، طريقته في التفكير، إحساسه العالي بالمهنة، والتزامه الذي لا يتزحزح تجاه الحقيقة. في وقت باتت فيه الصحافة سلعة تُباع وتُشترى، ظل هو ثابتًا على مواقفه، يؤمن بأن الكلمة أمانة، وأن الصحفي الحقيقي لا يُشترى، ولا يُباع، ولا يخضع إلا لضميره.
في زمن يمضي فيه الكثيرون دون أن يتركوا أثرًا، سيبقى سامي عبد الراضي شاهدًا على أن الصحافة لا تزال بخير، طالما فيها من يشبهه، من يؤمن بها، من يعشقها، من يعطيها من روحه قبل قلمه. ليس مجرد اسم في قائمة الصحفيين، بل قصة تُحكى، تجربة تُلهم، نموذج يجب أن يُحتذى به. في كل نجاح حققه، في كل قضية كشفها، في كل حقيقة أظهرها، كان يثبت أن الصحفي ليس مجرد ناقلٍ للأخبار، بل هو ضمير المجتمع، والعين التي ترى، والأذن التي تسمع، والقلب الذي يشعر، والصوت الذي لا يخاف أن يقول الحق مهما كان الثمن.
هذا هو سامي عبد الراضي، الصحفي الذي لا يهدأ، القلم الذي لا ينكسر، الروح التي لا تتعب من البحث عن الحقيقة. رجل صنع مجده بعرقه، بموهبته، بصدقه، وبتفانيه، وسيظل اسمه محفورًا في تاريخ الصحافة، لأنه ببساطة لم يكن كأي صحفي آخر، بل كان وما زال نموذجًا يُحتذى به، ورمزًا للصحافة الحقيقية في أنقى صورها.