حمدية عبد الفنى تكتب: تخيَّل… ليومٍ واحد فقط: عالم يسوده الضمير والرحمة

تخيل، ولو ليومٍ واحد، أننا استيقظنا على عالم مختلف، ليس فيه ضجيج الطمع، ولا صراخ الجشع، ولا أنين المظلومين في أروقة الحياة.
عالم يسوده الضمير، وتحكمه الرحمة، لا قوانين صارمة ولا عقوبات زاجرة، بل فقط إنسانية صافية، وقلوب واعية، ونفوس ارتقت فوق كل ما هو مادي وأناني.
في هذا اليوم، لا تجد تاجرًا يستغل حاجة الناس، ولا يحتكر قوتهم، ولا يرفع الأسعار ليربح أضعافًا مضاعفة على حساب جوع الفقراء.
في هذا العالم المتخيل، التاجر إنسان قبل أن يكون صاحب مال، يفكر في لقمة اليتيم قبل أن يفكر في أرباحه السنوية..فقط يكتفي بهامش ربح بسيط، يكفيه ليعيش بكرامة دون أن يُثقل كاهل الآخرين.. يدرك أن الرزق بيد الله، وأن البركة لا تأتي من الزيادة، بل من الصدق.
وفي هذا اليوم، يستطيع الشاب أن يحلم بلا خوف.. لا تقف أمامه أسعار الشقق كجدار عازل بينه وبين الاستقرار، ولا يحتاج لسنوات من القروض والديون ليمتلك بيتًا صغيرًا يأويه هو وشريكة عمره.. بل تتكاتف الدولة والمجتمع ليكون السكن حقًا، لا حلمًا مؤجلًا. يُراعى دخل الفرد، وتُبنى مشاريع تخدم الإنسان لا المستثمر وحده، وتُقر السياسات بعين العدل لا بمنظار الأرباح.
تخيل لو أن كل من تعاملنا معهم، في السوق، في الدوائر الحكومية، في الشارع، في المؤسسات… يتصرفون بضمير حي.. الموظف لا يُهمل معاملات الناس، ولا يؤجل أعمالهم لمجرد ملل أو مزاج. .
العالم يسعى لتطوير الطب والتعليم، لا لصناعة أدوات القتل والدمار.
بل تخيل أن هذا اليوم يشمل العالم كله، ،ويعم السلام،لا حروب تنهش الدول، ولا نزاعات تبيد الشعوب،لا صواريخ، لا أطفال تحت الأنقاض، لا مهاجرين يركبون البحر هربًا من الموت.. يُستبدل سباق التسلح بسباق نحو علاج السرطان، نحو إنهاء الجوع، نحو استكشاف الفضاء لصالح البشرية جمعاء.
في عالم الرحمة والضمير، تُقدّر الأم، ويُكرم المسن، وتُحمى الطفولة، لا خيانة، لا رشوة، لا استغلال.. الجار يعرف قيمة جاره، والمعلم يُقدَّر لأنه يبني العقول، والطبيب يُحترم لأنه يضمد الجراح، لا لأن بيده تقرير الحياة أو الموت.
قد يقول البعض إن هذا خيال… حلم بعيد… لكن الحقيقة أن هذا الخيال ممكن، لو قرر كل إنسان أن يبدأ بنفسه.. أن يتصرف بضمير، أن يتحلى بالرحمة، أن يضع نفسه مكان الآخر.. عندها، قد لا نحتاج لتخيل يومٍ مثالي، بل نبدأ بصنعه.
فقط لو قرر الإنسان أن يكون إنسانًا،لما احتاج العالم إلى قوانين صارمة، ولا إلى مؤسسات إصلاح، ولا إلى شعارات تطالب بالعدالة.
لو قرر الإنسان أن يكون إنسانًا، لكان الضمير هو الحَكم، والرحمة هي القانون، والعدل فطرة لا يُطلب إثباتها.
الإنسان الحقيقي ليس بمنصبه، ولا بثروته، بل بقدرته على أن يشعر، أن يتعاطف، أن يتوقف للحظة ليتأمل أثر أفعاله على من حوله.
الإنسانية ليست صفة فطرية بقدر ما هي قرار… قرار بأن لا تؤذي، بأن تعين، بأن تعيش كما تحب أن يُعاملك الآخرون.
فقط لو قرر الإنسان أن يكون إنسانًا…لأصبح هذا الحلم الجميل واقعًا… ولما احتجنا لتخيل يوم واحد يسوده الضمير، لأن كل يوم سيكون كذلك.