الكاتب الصحفي خيري حسن يكتب: طيران "هيكل" عَلَّمَ الصحافة "الأستاذية"

يناير 13, 2025 - 22:23
يناير 13, 2025 - 22:24
الكاتب الصحفي خيري حسن يكتب: طيران "هيكل" عَلَّمَ الصحافة "الأستاذية"

سنة 1949 صدرت صحيفة أخبار اليوم وفى صفحتها الأولى المانشيت التالى:" هيكل يطير إلى كوريا" ويُعد هيكل هو أول صحفى مصرى وعربى يُنشر اسمه بهذا الطريقة كعنوان رئيسي فى الصفحة الأولى - حيث جعلا - مصطفى وعلى أمين - أصحاب أخبار اليوم حينذاك - طيران هيكل لتغطية الحرب الكورية خبرا فى حد ذاته. 

                                    

إن مدرسة أخبار اليوم خاصة والصحافة المصرية عامة كانت - قبل التأميم - تهتم بتوفير كل وسائل التفوق، والنجاح، والتألق لكل صاحب موهبة حقيقية، فلا يخافونه ولا يحاربونه، ولا يقتلوه، ولا يبعدوه، ولا يحاصروه، ولا يخنقونه، ولا يحطمونه، كما حدث بعد ذلك - ومازال يحدث - فى الصحافة المصرية والعربية.  

                                   

سافر هيكل وقام بمهمته بالصورة التى تليق بموهبته الجبارة، وعاد إلى المؤسسة. وقبل أن يدخل إلى مكتبة اتجه إلى الطابق الذى به مكتب المدير المالى للمؤسسة( الخزنة) 

-- "صباح الخير يا سيد أفندى"

-- "صباح الخير أستاذ هيكل"

وبعد السلامات والصباحات دس هيكل يده فى جيبه فأخرج منها 800 جنيه مصري - الجنيه كان يساوى ما بين 4 إلى 5 دولار تقريباَ) وقدم له الفلوس. 

نظر له الرجل فى دهشة.. ثم تركه هيكل مع الفلوس والدهشة وذهب إلى قسم التصوير والذى ترك فيه الأفلام لتحميضها ثم صعد إلى مكتبه، وفتح شنطته الجلد السوداء، وامسك بالقلم والورق وقبل أن يبدأ الكتابه رن الجرس بجواره:

-- "ألو..أيوه وصلت..الله يسلمك ..

حاضر يا على بيه ( يقصد على أمين) دقائق وأكون فى مكتبك.

                                     

دخل هيكل فوجد على أمين جالساَ وأمامه سيد أفندى المدير المالى ومازالت دهشته ظاهرة على ملامحه..سأله على أمين:

" فلوس إيه دى يا هيكل"؟

-- الفلوس اللى صرفتها لى المؤسسة قبل السفر لحساب رحلة كوريا"!

-- رد على أمين:" إيوه ..دى فلوسك تصرفها فى السفر ( بدل سفر يعنى )!

-- رد هيكل لكننى لم أصرف منها جنيه واحد

-- يا نهار أسود..يا جدع انت عايز تفهمني إنك طيلة شهرين لم تصرف جنيه واحد منها"

-- إيوه.. هذا ما حدث!

-- يا ابنى انت مجنون..شهرين لم تنفق منها مليما واحدا..أنت هتجننى؟( المدير المالى مازال واقفاَ فى ذهول) ثم قال على أمين:

" طيب فهمنى ازاي"؟!

                                       

جلس هيكل ثم قال:" تذكرة الطائرة من القاهرة إلى سيول عبر أمريكا فى الذهاب والعودة قدمتها السفارة الأمريكية. ومنذ أن وضعت قدمى فى كوريا لم أصرف مليماَ واحداَ على المواصلات أو التنقلات أو المبيت. لقد تكفلت بذلك القيادة الأمريكية المتنكرة تحت اسم قيادة الحلفاء بى مثلما فعلت ذلك مع أى صحفى آخر دعته لتغطية الحرب ابتداء من زجاجة الكوكاكولا لغاية اليونيفورم العسكرى الذى صرف لنا للذهاب به إلى ميدان القتال. 

حتى أمواس الحلاقة والصابون كانت مجاناَ.. وخلال الرحلة لم أشعر بأننى فى حاجة إلى أن أضع يدي فى جيبى لأخرج مليماَ واحداً"

رد على أمين:" ايوه..طيب مفيش خروجه كده أو كده.. ترفيه يا أخى عن نفسك"؟!

رد هيكل:" نعم حدث.. ذات ليلة عندما قادنا كولونيل أمريكى سمين الجسد إلى إحدى علب الليل فى سيول ودفعوا تكاليف السهرة حتى البقشيش"!

رد المدير المالى الذى مازال مندهشا:" طيب حلو.. وعملت ايه بقى" ( قالها وهو يبتسم )!

-- رد هيكل:" ولا حاجه..اعتذرت بعد دقائق وغادرت الملهى"!

وقف على أمين فى مكانه وهو يقول:" دا أنت راجل غريب يا جدع" ثم مد يده بالفلوس التى أمامه واعطاه للمدير المالى وقال له:" اتفضل رجعها للخزنة" ثم كرر كلامه لهيكل:" غريب انت يا هيكل والله "! رد هيكل وهو يفسح الطريق للمدير المالى ليخرج :" ما غريب إلا الشيطان يا على بيه".. ثم عاد إلى مكتبه يكمل كتابة مقاله عن الرحلة بينما شوهُد المدير المالى يتمتم بكلمات بصوت واهن غير مفهومة.. يقول فيه:

" ده غريب والله..دى مفيش واحد سافر ورجع جنيه..يجي واحد يرجع الفلوس كلها... فعلاَ..إنسان غريب صحيح"!

                                

والسؤال الذى استوقنى وأنا أرصد تفاصيل هذه الواقعة. هو كَمْ صحفى - وأنا من بينهم بالطبع - أو إعلامى أو جامعى، أو مهندس أو طبيب أو وزير، أو مدير، أو غفير أو أى مسئول فى حكومة أو قطاع خاص سافر فى مهمة عمل خارجية وفعل - أو يستطيع أن يفعل - ما فعله هيكل؟!

- الأستاذية...( مش كلام )!

- الأحداث حقيقية..والسيناريو من خيال الكاتب.

- المصدر:

- كتاب هوامش على قصة محمد حسنين هيكل - ضياء الدين بيبرس - طبعة بيروت.

- الصور:

- هيكل 

- على أمين