السفير . د . عادل عيد يوسف يكتب : ترامب مؤسس الإمبراطورية المتحدة الأمريكية

في عالمٍ اعتقد أنه تجاوز زمن الاستعمار، تعود فكرة الإمبريالية من جديد، لكن هذه المرة بحلة أمريكية، يرتديها دونالد ترامب، الرجل الذي لا يرى في العالم إلا انه رقعة شطرنج، يحرك بيادقها لمصلحته المطلقة، بينما توارت الجيوش العظمى وانسحبت الإمبراطوريات القديمة، و يحلم ترامب بإعادة رسم خرائط القوة، ليس فقط باستغلال الاقتصاد والسياسة، بل بإعادة تشكيل النظام العالمي كما لو كان قيصرًا في القرن الحادي والعشرين.
- الإمبريالية التي لم تمت من السيطرة العسكرية إلى الاستحواذ الاقتصادي.
في القرن العشرين، بدا أن حلم الإمبراطوريات انتهى. بريطانيا انسحبت من مستعمراتها، فرنسا تخلت عن الجزائر والهند الصينية، إيطاليا فقدت نفوذها، وحتى الصين ركزت على النمو الداخلي بدل التوسع. لكن، هل انتهت الإمبريالية فعلاً ؟ أم أنها تحولت إلى شكل أكثر دهاء؟
ما يحدث اليوم ليس خروجا عن الماضي، بل امتدادٌ له بأساليب جديدة، لم تعد الجيوش تحتل المدن، بل تحاصرها بالعقوبات الاقتصادية، ولم تعد الإمبراطوريات تبعث الحكام إلى المستعمرات، بل تفرض عليهم التبعية عبر الشركات متعددة الجنسيات. وهنا يأتي ترامب، الذي لم يخفِ ميله الصريح إلى إعادة أمريكا إلى قمة الهيمنة العالمية، حتى لو كان ذلك عبر إعادة صياغة مفهوم الإمبراطورية بوسائل جديدة.
- ترامب وخرائط العالم كندا، غرينلاند، والشرق الأوسط تحت المجهر
منذ بداية رئاسته، تحدث ترامب عن ضم كندا، باعتبارها امتدادًا طبيعيًا للولايات المتحدة، بل وطرح فكرة شراء غرينلاند من الدنمارك، مشيرا" إلى أن هذه الجزيرة الغنية بالموارد ستكون إضافة «رائعة» للإمبراطورية الأمريكية. بدا الأمر سخيفًا للعالم، لكن لمن يعرف طريقة تفكير ترامب، لم يكن هذا مجرد هراء، بل خطوة أولى في استراتيجية توسعية لا تعتمد على الدبابات، بل على الصفقات، التهديدات، والسيطرة على الموارد.
أما الشرق الأوسط، فهو ساحة ترامب المثالية لإعادة رسم الخرائط. لا يرى ترامب في هذه المنطقة شعوبًا لها حقوق وسيادة، بل يرى فيها قطعًا يمكن تحريكها لتحقيق مصالحه. دعمه اللامحدود لإسرائيل، ونقل السفارة إلى القدس، ثم صفقة القرن، لم تكن سوى خطوات أولى في مشروع إعادة تشكيل المنطقة وفق تصورٍ أمريكي مطلق. ولعل رغبته في إبرام اتفاق مع روسيا لمنحها ما تريد في أوكرانيا مقابل تنازلات استراتيجية أخرى تعيد للأذهان اتفاقية سايكس - بيكو، حيث اقتسمت بريطانيا وفرنسا تركة الدولة العثمانية في السر، و كأن ترامب يحلم بأن يكون هو «سايكس » الجديد، يعيد تقاسم النفوذ مع بوتين على حساب الدول الأصغر.
- ترامب والدستور الأمريكي هل يسعى إلى تأسيس «ملكية أمريكية»؟
إذا كانت الولايات المتحدة وُلدت على مبدأ رفض الحكم المطلق، فإن ترامب لم يُخفِ اشمئزازه من القيود التي يفرضها الدستور على سلطته. تحدث مرارًا عن رغبته في مد فترة رئاسته إلى ثلاث دورات، أو حتى لأجل غير مسمى، ملمحا"إلى إمكانية تغيير الدستور لتحقيق ذلك. بل إن تصريحاته حول إعجابه بالرؤساء ذوي السلطة المطلقة، مثل شي جين بينغ في الصين، وكيم جونغ أون في كوريا الشمالية، توضح رغبته في تحويل الرئاسة الأمريكية إلى شبه ملكية، حيث يكون هو السيد المطلق بلا معارضة تُذكر.
هذا الاتجاه لا يقتصر على التصريحات، بل ظهر في سياساته على أرض الواقع:
• إضعاف المؤسسات الرقابية، عبر تهميش الكونغرس والقضاء
1- تسييس الجيش، ومحاولة استخدامه في الشؤون الداخلية كما حدث في قمع الاحتجاجات.
2- تقويض الإعلام الحر، بوصفه “عدو الشعب”، تمامًا كما يفعل الطغاة في الدول الديكتاتورية.
- هل يمكن أن تنجح «إمبراطورية ترامب»؟
رغم شراسة خططه، يواجه ترامب عقبات ضخمة. الديمقراطية الأمريكية، رغم تصدعها، لا تزال قوية بما يكفي لمقاومة نزعاته السلطوية. الصين وروسيا ليستا بريطانيا وفرنسا في 1916، بل قوتان لا يمكن التلاعب بهما بسهولة. والعالم اليوم أكثر وعيًا بسلطة الشعوب، ولم يعد بإمكان رئيس أمريكي أن يعيد بناء إمبراطورية بالقوة وحدها.
لكن، حتى لو لم ينجح ترامب في إقامة إمبراطورية أمريكية بالمفهوم التقليدي، فقد يكون بالفعل قد نجح في شيء آخر هو : إحياء الحلم الإمبريالي في عقول الجيل الجديد من القادة الشعبويين، الذين يرون في العالم غنيمة، وليس شراكة ، دعونا نتابع معا" ما يحدث و ما قد يحققه و ما قد يفشل فيه . .