هالة المهدي: حين تصبح الكتابة وجعًا جميلاً ورسالةً صادقة من قلب الواقع والخيال

حوار: ياسمين مجدي عبده
في عالم الأدب، حيث تتعانق الكلمة مع الشعور، وتتماهى الفكرة مع النبض، تلمع أسماء قادرة على تحويل التجارب الإنسانية إلى قصائد وحكايات تسكن القلوب. من بين هذه الأسماء، تبرز الكاتبة والشاعرة هالة المهدي، التي تنسج من الواقع خيوطًا فنية دقيقة، فتمنحنا من خلال دواوينها ورواياتها نوافذ نطل منها على عوالم متعددة، تجمع بين الفانتازيا والواقع، وبين الحلم والحقيقة.
هالة المهدي ليست فقط صوتًا شعريًا مميزًا، بل هي أيضًا روائية تهوى الغوص في الزمن، وتحمل رسائلها إلى القارئ عبر قصص تعبر عن الهامش كما تعبر عن المتن، عن الذات كما عن الآخر. في هذا اللقاء، نقترب أكثر من عوالمها الإبداعية، ونتعرف على فلسفتها في الكتابة، رؤيتها للأدب، ومشاريعها القادمة.
دعينا نبدأ من البدايات… من هي هالة المهدي، وكيف كانت خطوتك الأولى في عالم الأدب؟
أنا هالة المهدي، كاتبة روائية وشاعرة عامية. بدأت رحلتي مع الكلمة من الشعر، حيث كنت أشارك في الندوات الأدبية، وكنت عضوًا وسكرتيرًا سابقًا في نادي أدب المطرية، وشاركت بنشاط في عدد من المنتديات الأدبية.
أصدرت حتى الآن ثلاثة دواوين شعرية مطبوعة: شكة إبرة، عكس اتجاه الحلم، وما بين الضمة والتنوين، وهناك ديوان رابع قيد الطباعة. أما في الرواية، فقد صدرت لي روايتان: أون سفر الشمس، وهي رواية فانتازيا تاريخية، وبائعة المريمية، التي تغوص في الواقع الفلسطيني الاجتماعي، وتتناول تفاصيل الحياة في غزة. كما أعمل حاليًا على روايتين جديدتين، إحداهما هي الجزء الثاني من أون سفر الشمس، والأخرى رواية خيال علمي تدور أحداثها خلال الحرب العالمية الأولى.
متى بدأت علاقتك الحقيقية بالكتابة؟ وهل كانت موهبة فطرية أم تطورًا تدريجيًا؟
الموهبة كانت موجودة منذ الصغر، وقد كان والدي – رحمه الله – هو أول من تنبه لها، شجعني وقرأ لي، وكان محبًا للشعر والقراءة. دعمه المعنوي ساعدني في أن أكتشف شغفي وأطوره بمرور الوقت.
من هم الكُتّاب أو الشعراء الذين تركوا أثرًا في تكوينك الأدبي؟
قرأت للكثير من أعمدة الأدب، وتأثرت بكبار شعراء العامية وكتاب الرواية. أؤمن بأن القراءة المستمرة تُغني الكاتب، لذلك ما زلت أقرأ وأتعلم إلى اليوم.
كيف تولدين فكرة العمل الأدبي؟ وهل هناك طقوس محددة تمارسينها قبل الكتابة؟
الكتابة لدي ليست قرارًا بقدر ما هي حالة شعورية. أحتاج إلى التفاعل العاطفي مع موقف أو تجربة تُؤثر فيّ بعمق. حينها تبدأ الفكرة بالتشكل، وأقوم بجمع المعلومات، ثم أترك القصة تنمو بداخلي حتى تفرض نفسها على الورق. أكتب في لحظات الانفعال الكامل، ثم أعود لاحقًا لتحرير النص وتنقيحه.
ما أبرز الأعمال التي تعتبرينها محطات مهمة في مسيرتك الأدبية؟
دواويني الثلاثة تُعبّر عن محطات شعورية مختلفة في حياتي، أما روايتا أون سفر الشمس وبائعة المريمية فهما تجسيد لرؤيتي في المزج بين الواقع والخيال، وبين السياسي والاجتماعي. وأعمل حاليًا على مشروع جديد أضع عليه الكثير من الآمال: رواية 731، وهي عمل خيال علمي غني بالمعلومات الواقعية، وأظن أنها ستحقق صدى طيبًا بإذن الله.
هل تكتبين لنفسك، أم تحرصين على الوصول إلى القارئ ومخاطبته؟
أكتب أولًا لأن لدي ما أريد أن أقوله، لكنني حريصة أيضًا على التواصل مع القارئ. أتابع ردود أفعاله، وآخذ ملاحظاته بجدية. القارئ شريك في الرحلة، وفهمه للنص وتفاعله معه مهم جدًا بالنسبة لي.
هل يمكن اعتبار الكتابة وسيلة للشفاء والتصالح مع الذات؟
بالتأكيد. كلما شعرت بالحيرة قرأت، وكلما تأثرت بما قرأت كتبت. الكتابة متنفس، وهي أداة لفهم الذات والواقع، وإعادة ترتيب الأحاسيس والمفاهيم.
ما الظروف التي تشعرين فيها بأن الإبداع يبلغ ذروته؟
الإبداع لا يتقيد بزمن أو مكان، لكنه غالبًا ما يولد من لحظات الانفعال العاطفي أو التأمل العميق. أحيانًا مشهد بسيط أو كلمة عابرة تكون الشرارة التي تولّد نصًا كاملًا.
كيف تنظرين إلى التحولات التكنولوجية في عالم الأدب، مثل الذكاء الاصطناعي والنشر الإلكتروني؟
أؤمن بأن الذكاء الاصطناعي أداة مساعدة، لكنه لا يمكن أن يعوض الحس الإنساني في الكتابة. أما النشر الإلكتروني، فرغم انتشاره، لا يزال للكتاب الورقي سحره وخصوصيته، إذ تبقى العلاقة بين القارئ والورق علاقة حميمة لا تُستبدل.
كيف تتعاملين مع النقد؟ وهل يزعجك أحيانًا؟
أرحب بالنقد البناء، وأراه ضرورة لأي كاتب يريد أن يتطور. النقد الموضوعي يضعك أمام مرآة نفسك، ويساعدك على تحسين أدواتك.
هل هناك نوع أدبي لم تقتحميه بعد وتتمنين خوض تجربته؟
أطمح إلى كتابة المجموعات القصصية، لكنها تتطلب مهارات سردية مختلفة، منها التكثيف والاختزال، وأنا أنتظر اللحظة التي أشعر فيها أنني جاهزة لخوض هذه التجربة.
ما هو المشروع الأدبي الذي تعتبرينه الأقرب إلى قلبك؟
الكتابة في التاريخ من أحب الأمور إلى نفسي. تاريخنا ثري ومُلهم، وأشعر أنه كنز لم يُستغل بعد بالشكل الإبداعي الكافي.
ما التحديات التي تواجهينها ككاتبة في العصر الرقمي؟
السرعة التي تحكم هذا العصر قد تضعف من عمق التلقي. لكن في الوقت ذاته، الإنترنت ووسائل التواصل توفر للكاتب مصادر بحث واسعة، وتمنحه فرصة للتفاعل مع جمهور مختلف.
في رأيك، هل المعاناة شرط ضروري للإبداع، أم أن اللحظة العابرة قد تكون كافية؟
الإبداع وليد الحالتين. فالمعاناة قد تولّد نصًا نابضًا بالصدق، لكن أيضًا العفوية حين تُمسّ القلب قد تنتج لحظة تستحق أن تُخلّد بالكلمات.
أخيرًا، ما الرسالة التي تأملين أن تتركيها من خلال أعمالك؟ وكيف تتمنين أن يتذكرك القرّاء؟
أتمنى أن أكون سببًا في عودة الشباب إلى القراءة، كما فعل الراحل الكبير أحمد خالد توفيق. أن يقال يومًا إن كتابًا من كتبي ألهم قارئًا، أو منحه عزاءً أو أملًا... فذلك هو المجد الحقيقي.