نجيب محفوظ في عيون المثقفين.. أدب تجاوز الزمان والمكان وألهم السينما والوجدان

كتب: مصطفى صلاح
في إطار احتفالات وزارة الثقافة المصرية بالأديب العالمي نجيب محفوظ تحت شعار "محفوظ في القلب"، نظّمت دار الكتب والوثائق القومية برئاسة الدكتور أسامة طلعت، اليوم الأربعاء، ندوة فكرية بعنوان "صورة مصر في أدب نجيب محفوظ". أدار الندوة الكاتب والناقد شعبان يوسف، وشارك فيها كل من الكاتبة سلوى بكر، والدكتورة عزة كامل، والمخرج مجدي أحمد علي.
الشاعر شعبان يوسف استهل الندوة بكلمة أشاد فيها بدور محفوظ في ترسيخ حضور الأدب العربي عالميًا، مؤكدًا أن فوزه بجائزة نوبل للأدب منحها مصداقية لم تكن متوفرة سابقًا، وأضاف أن نصوص محفوظ تنبض بالحياة، وتظل تكشف عن معانٍ جديدة مع كل قراءة، رغم اقتصار أعماله على الواقع المصري، وتحديدًا القاهرة، إلا أن صور مصر تنوعت بشكل مذهل في أعماله، بداية من مصر الفرعونية في "كفاح طيبة" و"عبث الأقدار" وصولًا إلى الحياة القاهرية المعاصرة في "الثلاثية" و"حضرة المحترم".
الكاتبة سلوى بكر عبّرت عن امتنانها لدار الكتب على تنظيم الندوة، مؤكدة أنها من أهم المؤسسات الثقافية في مصر، وأشارت إلى أن أدب نجيب محفوظ لا يمكن تناوله دون التطرق لتأثيره في المنظومة القيمية لدى المجتمع، فقد غيّر طريقة استقبال الناس للأدب، وصاغ وعيهم من خلال شخصياته وأحداثه.
وأوضحت بكر أن محفوظ انشغل بالإنسان المصري في عمقه، مستخدمًا شخوصًا تمثل حالات فلسفية مثل سعيد مهران في "اللص والكلاب"، الذي أثار تساؤلات حول مفهوم الجريمة والعدالة ودور المثقف في تبرير الفعل.
الدكتورة عزة كامل تطرقت إلى خصوصية المكان في أدب محفوظ، مشيرة إلى أنه لم يكن مجرد خلفية للأحداث، بل كيان حي يتفاعل مع الزمن. ضربت مثالًا بحي الجمالية والعباسية، اللذين عاش فيهما محفوظ وشكّلا جزءًا من وعيه الفني، كما تناولت شخصية محجوب عبد الدايم في "القاهرة الجديدة" كمثال على انهيار القيم، الأمر الذي تسبب آنذاك في أزمة داخل وزارة الأوقاف، حيث اتُهم محفوظ بالإساءة لصورة الموظف الحكومي.
واعتبرت عزة كامل أن القاهرة في روايات محفوظ كانت مرآة للفترات التاريخية المختلفة، من العصر الأيوبي إلى المملوكي والعثماني، مع تركيز خاص على الطبقة الوسطى وهمومها وتقلّباتها بين التيارات السياسية والاجتماعية.
المخرج مجدي أحمد علي تحدّث عن العلاقة العميقة بين أدب نجيب محفوظ والسينما، مؤكدًا أن الشاشة الفضية لعبت دورًا محوريًا في تعميق مكانة محفوظ لدى الجمهور، مشيرًا إلى أن المخرج حسن الإمام أخرج "الثلاثية" بشكل شعبي جعلها أقرب لوجدان المشاهد العادي، واعتبر أن توفيق صالح، رغم قيمته، لو كان أخرج العمل لكان قدّمه في صورة فلسفية معقدة تفتقر للقبول الجماهيري.
كما أشار إلى أن مواقف محفوظ السياسية، مثل تأييده لاتفاقية السلام، أبعدته عن جيل السبعينيات، لكنه ظل يحظى باحترام الجميع، بدليل دفاع الشاعر مظفر النواب عنه، مؤكدًا أن التزام الأديب الحقيقي هو تجاه أدبه.
واختتم مجدي أحمد علي حديثه بالحديث عن أسلوب الحوار في أعمال محفوظ، والذي تميز بالبساطة والعمق في آن، إلى جانب مساهماته في كتابة سيناريوهات شهيرة مثل "ريا وسكينة"، مؤكدًا أن محفوظ لم يكن منشغلًا بجماليات الصورة قدر تركيزه على سرد الحكاية.
وفي ختام الندوة، أجمع المشاركون على أن خصوصية أدب نجيب محفوظ، وثراء عالمه الإبداعي، هما ما جعلاه أديبًا عالميًا بامتياز، وأنه لا يزال حيًّا في قلوب محبيه ووجدان الأمة.