مصطفى صلاح يكتب: إلهام شاهين سيدة الإبداع التي جعلت «اعتماد الهواري» أسطورة درامية
حينما تتابع إلهام شاهين على الشاشة، تدرك أنك أمام فنانة لا تؤدي دورًا، بل تعيشه، تمنحه نبضًا خاصًا، تحوله إلى كيان يتنفس وينبض بالمشاعر. وفي مسلسل «سيد الناس»، ارتقت بفن الأداء إلى مستوى آخر، حيث قدمت شخصية «اعتماد الهواري» بحرفية استثنائية جعلت المشاهد يعيش تفاصيلها بكل حواسه.
اعتماد لم تكن مجرد امرأة قوية، بل شخصية تحمل طبقات من المشاعر المتداخلة، بين الذكاء الحاد والسيطرة المطلقة، وبين الخوف الدفين والرغبة الدائمة في البقاء على القمة. ومنذ اللحظة الأولى، لم يكن هناك أدنى شك في أن إلهام شاهين ستمنحها عمقًا لا يُنسى، لكن ما قدمته تجاوز كل التوقعات، حيث صنعت من اعتماد حالة درامية متكاملة، لا تُختزل في مشهد أو موقف، بل تتغلغل في عقل وقلب المشاهد.
تفاصيل تصنع الأسطورة
إلهام شاهين لا تعتمد على الكلمات وحدها، بل تجيد «التمثيل الصامت» الذي يُثقل الأداء بمشاعر عميقة. نظرتها، التفاتتها البطيئة، الطريقة التي ترفع بها حاجبها حين تشعر بالخطر، وحتى لحظات صمتها التي تقول أكثر مما يمكن أن تقوله أي جملة مكتوبة، كلها أدوات استخدمتها ببراعة لتحويل الشخصية إلى أسطورة تلفزيونية.
في أحد المشاهد التي لا تُنسى، جلست وحيدة بعد انتصار كبير، نظرت إلى المرآة، وببطء اختفت ابتسامتها، وكأنها تكتشف للحظة أن قوتها ليست درعًا يحميها من الوحدة. لم تحتج إلى كلمة واحدة، فقط عيناها حملتا كل شيء: الانتصار، الفقدان، والحنين إلى شيء لم تعد تعرفه.
دهاء بلا صراخ.. قوة بلا ضجيج
ما يميز أداء إلهام شاهين أنها لا تلجأ إلى الانفعالات المبالغ فيها، بل تمتلك قدرة نادرة على تحويل الهدوء إلى سلاح فتاك. عندما تواجه خصمها، لا تصرخ، لا تهتز، بل تكتفي بنبرة هادئة لكنها تحمل في داخلها عاصفة. هذه القدرة على التحكم في الانفعالات جعلت اعتماد شخصية مرعبة دون الحاجة إلى العنف، ومسيطرة دون أن ترفع صوتها.
في لحظة المواجهة مع زوجها، لم يكن هناك صراخ أو انفعال زائد، فقط ابتسامة بطيئة ونظرة ثابتة، لكن وقعها كان أقسى من أي تهديد مباشر. هذه هي مدرسة إلهام شاهين في التمثيل: الأداء الناضج، التحكم المطلق في التفاصيل، والقدرة على جعل المشاهد يشعر أنه أمام شخصية حقيقية وليست مجرد دور مكتوب على الورق.
إحساس متدفق.. وعبقرية الأداء
إلهام شاهين تكتب المشاعر بملامحها، تتلاعب بالإيقاع الداخلي للمشهد، وتجعل كل تفصيلة محسوبة بدقة. لم يكن اعتماد مجرد امرأة قوية، بل كيان متكامل، يحمل داخله ضعفًا مكبوتًا، وخوفًا لا تعترف به حتى لنفسها. هذه التناقضات أبدعت في إبرازها دون أن تسقط في فخ المبالغة، بل جعلتها متوازنة، مقنعة، ونابضة بالحياة.
إلهام شاهين.. اسم يُخلد الأداء العظيم
حين ينتهي المسلسل، ستبقى «اعتماد الهواري» واحدة من أقوى الشخصيات التي قُدمت على الشاشة، ليس فقط بسبب الكتابة المحكمة، ولكن لأن إلهام شاهين ألبستها روحًا حقيقية، جعلتها تتجاوز حدود الورق وتتحول إلى شخصية من لحم ودم.
إلهام شاهين لم تكن مجرد ممثلة في «سيد الناس»، بل كانت درسًا في التمثيل الراقي، في الأداء الذي يظل محفورًا في الذاكرة، في القدرة على جعل الشخصية تمتد خارج حدود المشهد وتظل حية في وجدان المشاهدين. إنها ليست نجمة فقط، بل حالة فنية استثنائية، تثبت مع كل عمل جديد أنها واحدة من أعظم الممثلات في تاريخ الدراما العربية.
