أسماء يوسف زينل تكتب: الذكاء الاصطناعي والقيم الإنسانية..من يقود من في عالم المستقبل؟

يناير 27, 2025 - 17:04
يناير 27, 2025 - 17:14
أسماء يوسف زينل تكتب: الذكاء الاصطناعي والقيم الإنسانية..من يقود من في عالم المستقبل؟

تخيل سيناريو يقود فيه الذكاء الاصطناعي سيارة ذاتية القيادة على طريق سريع، وفجأة تظهر عقبة أمامها، ليصبح عليها اتخاذ قرار مصيري: هل تنحرف إلى الجهة الأخرى لتجنب الاصطدام ولكن تخاطر بإيذاء ركاب آخرين؟ أم تختار البقاء في المسار؟ هذا المثال ليس مجرد خيال علمي، بل هو أحد الأمثلة الواقعية على المعضلات الأخلاقية التي يمكن أن يواجهها الذكاء الاصطناعي في الوقت الحالي.

مع التطور المذهل للذكاء الاصطناعي، أصبح هذا المجال قوة مؤثرة في حياتنا اليومية. من التطبيقات التي تحلل البيانات الصحية، إلى الأنظمة التي توجه الطائرات، يُستخدم الذكاء الاصطناعي لاتخاذ قرارات لم تكن إلا من اختصاص البشر. ومع ذلك، ومع زيادة الاعتماد على هذه التقنية، تظهر تساؤلات عميقة: هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يتحمل عبء اتخاذ قرارات أخلاقية؟ وهل يمتلك أصلاً القدرة على التفريق بين الصواب والخطأ؟

المسؤولية الأخلاقية في سياق الذكاء الاصطناعي

لفهم ما إذا كان الذكاء الاصطناعي قادرًا على تحمل المسؤولية الأخلاقية، يجب العودة إلى العناصر الأساسية التي تحددها: الوعي، الإرادة الحرة، والمسؤولية. الوعي هو القدرة على إدراك العالم وفهم السياق الذي يتم فيه اتخاذ القرار. الإرادة الحرة تعني القدرة على اختيار بدائل متعددة بناءً على قيم ومبادئ محددة. المسؤولية تعني الاستعداد لتحمل عواقب القرارات. هذه العناصر تظل حكرًا على البشر بسبب ارتباطها بالإحساس والتجربة الذاتية، وهي سمات يفتقر إليها الذكاء الاصطناعي.

الذكاء الاصطناعي، على الرغم من قدرته على تنفيذ تعليمات معقدة، يعمل وفق قواعد محددة وضعها البشر. حتى عندما تُبنى هذه القواعد على مبادئ أخلاقية، فإنها تظل مجرد خوارزميات تُنفذ دون فهم المعنى الأعمق وراء تلك المبادئ. على سبيل المثال، قد يُبرمج نظام ذكاء اصطناعي لتجنب التحيز في التوظيف من خلال تجاهل السمات الشخصية للمرشحين. ومع ذلك، فإنه لا يستطيع إدراك القيمة الأخلاقية لهذا الإجراء أو مدى تأثيره على تحقيق العدالة الاجتماعية.

بعض العلماء يعتقدون أنه يمكن برمجة الذكاء الاصطناعي لمحاكاة السلوك الأخلاقي باستخدام أطر فلسفية مثل النفعية، التي تسعى لتحقيق أكبر منفعة للجميع، أو الأخلاق الواجبية، التي تعتمد على اتباع قواعد صارمة. لكن حتى هذه المحاكاة الأخلاقية تظل محدودة، لأنها خالية من الوعي أو التعاطف الذي يوجه القرارات البشرية. الأنظمة الذكية تنفذ التعليمات ببراعة رياضية، لكنها لا تفهم المعاني الإنسانية الكامنة وراءها.

هذا التحدي يتضاعف في القرارات التي تتطلب النظر إلى السياق المتغير والمعقد، مثل الحالات الطبية الطارئة. على سبيل المثال، قد يضطر نظام الذكاء الاصطناعي إلى تحديد الأولوية بين مريض شاب يحتاج إلى علاج طارئ ومريض آخر لديه فرصة أكبر للبقاء على قيد الحياة. اتخاذ مثل هذه القرارات يستدعي تعاطفًا وفهمًا للقيم الأخلاقية، وهي أمور لا تزال بعيدة المنال بالنسبة للذكاء الاصطناعي.

وفقًا لدراسة أجراها Future of Humanity Institute، يظل الذكاء الاصطناعي بعيدًا عن تحقيق مفهوم “الوعي الذاتي”، الذي يُعد الركيزة الأساسية لأي نقاش حول المسؤولية الأخلاقية. في حين أن محاكاة الأخلاقيات قد تكون أداة مفيدة، إلا أنها لا تستطيع أن تحل محل الفهم العميق والحكم الأخلاقي الذي يميز البشر.

الذكاء الاصطناعي واتخاذ القرارات الأخلاقية

مع التقدم السريع في تقنيات الذكاء الاصطناعي، أصبح هذا المجال جزءًا لا يتجزأ من عملية اتخاذ القرارات في مختلف القطاعات. في قطاع الأعمال، تعتمد شركات مثل أمازون على الذكاء الاصطناعي لتقديم توصيات مخصصة للعملاء بناءً على تاريخهم الشرائي، مما يزيد من رضا العملاء ويعزز المبيعات.

في مجال الرعاية الصحية، تُستخدم أنظمة الذكاء الاصطناعي لتحليل البيانات الطبية وتقديم تشخيصات أو توصيات علاجية. على سبيل المثال، يمكن للذكاء الاصطناعي تحليل صور الأشعة للكشف عن الأمراض بدقة تفوق الأطباء في بعض الحالات. ومع ذلك، يثير هذا الاستخدام تساؤلات حول مدى اعتماد الأطباء على هذه التوصيات، خاصة في الحالات التي تتطلب قرارات أخلاقية معقدة.

في القطاع القانوني، بدأت بعض الجهات في استخدام الذكاء الاصطناعي لتقييم احتمالية إعادة ارتكاب الجرائم من قبل المتهمين، مما يؤثر على قرارات الإفراج المشروط. ومع ذلك، أظهرت دراسات أن هذه الأنظمة قد تحمل تحيزات تعتمد على البيانات التي تم تدريبها عليها، مما قد يؤدي إلى قرارات غير عادلة.

وفقًا لتقرير صادر عن شركة ماكينزي في عام 2022، أشار 50% من المشاركين إلى أن مؤسساتهم تستخدم الذكاء الاصطناعي في عملية اتخاذ القرارات، مما يعكس زيادة ملحوظة مقارنة بـ20% في عام 2017.

على الرغم من الفوائد العديدة لاستخدام الذكاء الاصطناعي في اتخاذ القرارات، تظل هناك تحديات جوهرية. من أبرزها مسألة التحيز في البيانات، حيث يمكن أن تعكس أنظمة الذكاء الاصطناعي التحيزات الموجودة في البيانات التي تم تدريبها عليها، مما يؤدي إلى قرارات غير منصفة. بالإضافة إلى ذلك، يفتقر الذكاء الاصطناعي إلى القدرة على فهم السياق الأخلاقي أو الاجتماعي للقرارات، مما قد يؤدي إلى نتائج غير متوقعة أو غير مرغوب فيها.

بالتالي، يتطلب دمج الذكاء الاصطناعي في عملية اتخاذ القرارات توازناً دقيقاً بين الاستفادة من قدراته التحليلية الهائلة وضمان وجود إشراف بشري قادر على تقييم الجوانب الأخلاقية والاجتماعية المرتبطة بهذه القرارات.

أخلاقيات الآلة مقابل الأخلاق البشرية

في ظل هذا التباين بين الآلات والبشر، تبرز الفجوة الواضحة بين “أخلاقيات الآلة” المستندة إلى الخوارزميات المبرمجة و”الأخلاق البشرية” القائمة على التجربة والوعي والسياق الثقافي. الذكاء الاصطناعي، على الرغم من كفاءته التحليلية، لا يمتلك إحساسًا بالمسؤولية أو الوعي بتأثير قراراته على الأفراد والمجتمعات. هذا الفارق يصبح أكثر وضوحًا في المواقف المعقدة التي تتطلب توازنًا بين الخيارات المتضاربة، مثل اختيار الأولويات الطبية أو اتخاذ قرارات مالية تؤثر على حياة الأفراد.

وفقًا لدراسة أجراها معهد Future of Life Institute، تمثل القرارات التي يتخذها الذكاء الاصطناعي أحيانًا انعكاسًا لتحيزات البيانات التي تم تدريبه عليها، مما يؤدي إلى نتائج قد تكون غير أخلاقية أو تمييزية. في المقابل، يعتمد البشر على قدرتهم على التعاطف مع الآخرين واستيعاب الظروف المحيطة، مما يجعل قراراتهم أكثر استجابة للسياق الإنساني. ومع ذلك، فإن قدرة الذكاء الاصطناعي على معالجة كميات هائلة من البيانات بسرعة قد تضيف قيمة في المواقف التي تتطلب تحليلات دقيقة واتخاذ قرارات في وقت قصير.

التحدي الرئيسي هنا هو ضمان أن تعمل “أخلاقيات الآلة” كامتداد لقيم الإنسان، وليس بديلاً عنها. بينما قد تكون القرارات المبرمجة مفيدة في حالات معينة، يظل الخطر الأكبر في التخلي عن الحكم البشري لصالح أنظمة لا تعي سوى التعليمات التي تم تلقينها لها. الآلات قد تُظهر قدرة على تحقيق نتائج منطقية لكنها تفتقر إلى البُعد الأخلاقي الذي يميز البشر، مثل العاطفة والتضامن مع الآخر. هذا الفارق يجعلنا نعيد النظر في مستوى المسؤولية الذي يمكن أن نمنحه للذكاء الاصطناعي في عالم يزداد اعتمادًا عليه.

بناء ذكاء اصطناعي أخلاقي: هل هو ممكن أم مجرد تناقض

مع تصاعد هذه المخاوف، تسعى العديد من المؤسسات التقنية لتطوير ما يُعرف بـ”الأخلاقيات المدمجة”، وهي محاولة لتصميم أنظمة ذكاء اصطناعي تلتزم بالمبادئ الأخلاقية مثل العدالة والشفافية وتجنب التحيز. ولكن السؤال الذي يظل عالقًا هو: هل يمكن برمجة الأخلاقيات بشكل فعّال داخل نظام يفتقر إلى الإحساس أو الوعي الذاتي؟

الذكاء الاصطناعي يعتمد بالكامل على البيانات التي يُدرب عليها. إذا كانت هذه البيانات تحتوي على تحيزات متجذرة، فإن الأنظمة الناتجة ستكون عرضة لنفس هذه التحيزات. على سبيل المثال، كشفت دراسة أُجريت على أنظمة التوظيف الذكية أن العديد منها أظهر تحيزًا ضد النساء نتيجة تدريبها على بيانات.