مصطفى صلاح يكتب: ماجدة خير الله قلم النقد السينمائي الذي لا يخفت بريقه

ماجدة خير الله ليست مجرد كاتبة أو ناقدة سينمائية، بل هي روح متقدة بالفن، تسير بين الكلمات كما يسير الرسام بين ألوانه، تنسج رؤاها النقدية بوعي وثقافة، وتخط بمداد قلمها ما يعكس فهماً عميقاً لصناعة السينما وتأثيرها في الوجدان الجمعي. ليست مجاملة ولا تتبع القطيع، بل تسير وفق بوصلة خاصة بها، تزن بها الأعمال الفنية بميزان الدقة والموضوعية، فلا تخشى الصدام إن كان في سبيل الحقيقة، ولا تجامل إن كان الصدق هو الثمن.
إلى جانب كونها ناقدة سينمائية بارعة، فهي أيضًا مؤلفة سينمائية وتلفزيونية ناجحة وموهوبة، استطاعت أن تترك بصمتها في عالم الدراما، حيث تمتلك قدرة فريدة على خلق شخصيات نابضة بالحياة وحبكات مشوقة تحمل بداخلها عمقًا إنسانيًا واجتماعيًا. كتاباتها ليست مجرد سرد للأحداث، بل هي انعكاس لحسها الفني الرفيع وفهمها العميق لتركيبة النفس البشرية والصراعات التي تحكمها.
عندما تقرأ لماجدة خير الله، لا تقرأ مجرد تحليل للأحداث أو تقنيات الإخراج والتمثيل، بل تدخل معها في رحلة استكشاف لعوالم الشخصيات، عمق الحبكة، ومدى صدق التجربة الفنية. نقدها ليس مجرد كلمات، بل بناء متماسك من الحجج والرؤى، تحلل المشهد دون أن تقتل روحه، وتنتقد دون أن تفقد شغفها بالفن. تمتلك أسلوبًا خاصًا، يمزج بين الحدة حين يلزم الأمر، والاحتفاء حين يستحق العمل ذلك.
الجرأة في النقد صفة نادرة، لكن ماجدة خير الله جعلتها أسلوب حياة. لا تكتب لمجاملة صناع السينما، ولا تهادن لإرضاء تيار بعينه. آراؤها صريحة، تضع يدها على مواطن القوة والضعف دون تردد، تهاجم السطحية والاستسهال، وتحتفي بكل تجربة تحمل بداخلها روح الإبداع الحقيقي. ومع ذلك، ليست جرأتها مجرد صخب، بل هي صوت واعٍ، عميق، يستند إلى معرفة راسخة ودراية بتفاصيل الفن السابع.
ماجدة خير الله ليست مجرد ناقدة تراقب السينما من بعيد، بل عاشقة لها، تتنفسها وتعيشها بكل تفاصيلها. السينما عندها ليست مجرد صناعة، بل مرآة للمجتمع، تعكس قضاياه، همومه، أفراحه وأحزانه. لهذا، تجد نقدها متجذرًا في الواقع، لا ينفصل عنه، بل يستمد منه روح التحليل والرؤية. هي ناقدة تشاهد بعين المشاهد العادي، لكنها تكتب بقلم المحلل الدقيق، فتصل آراؤها إلى الجميع، سواء كانوا من جمهور السينما أو من صناعها.
في عالم يميل إلى التطبيل والمجاملات، تظل ماجدة خير الله صوتًا مختلفًا، ناقدة تؤمن بأن النقد مسؤولية، وأن الكلمة الصادقة قد تصنع فرقًا، حتى لو أزعجت البعض. تكتب لأن الفن يستحق أن يُناقش بجدية، ولأن السينما المصرية بحاجة إلى أصوات تضيء طريقها، لا إلى كلمات تُقال لمجرد الإرضاء.
ماجدة خير الله ليست مجرد اسم في عالم النقد، بل حالة فنية خاصة، روح تبحث عن الجمال الحقيقي، وعقل لا يكتفي بالمشاهدة، بل يغوص في العمق، ليمنح القارئ رؤية أعمق وأصدق لما يشاهده. في زمن تراجعت فيه قيمة النقد الحقيقي، تظل كتاباتها علامة مضيئة، تذكرنا بأن الفن الحقيقي لا يُجامَل، وأن الكلمة الصادقة ستظل دائمًا أقوى من أي مجاملة زائفة.