د. محمد صبحي فودة يكتب: في وداع قامة أزهرية نادرة… الدكتور أحمد عمر هاشم في ذمة الله

في لحظة مهيبة تفيض بالحزن والامتنان، ودّعت الأمة الإسلامية اليوم أحد أعلامها الكبار، الأستاذ الدكتور أحمد عمر هاشم، الذي ترجل عن صهوة الحياة بعد مسيرة علمية وعملية حافلة بالعطاء، عاشها في خدمة الحديث النبوي الشريف، وتعزيز الوسطية، ونشر القيم السمحة التي تربى عليها في رحاب الأزهر الشريف.
لقد كان الدكتور أحمد عمر هاشم صوتًا من أصوات الحق في زمن التباس الأصوات، ووجهًا علميًا مضيئًا امتزج فيه العلم بالعمل، والحكمة بالتواضع، والخطاب الدعوي بالموقف المتزن. ارتقى بالعلم فلم يكن يراه حكرًا على النخبة، بل رسالة جامعة للناس كافة، وكان في كل مراحل حياته عالمًا يُعلّم، وداعية يُرشد، ومربّيًا يُهذّب.
نبض الحديث وسفير المحبة النبوية
امتاز الدكتور أحمد عمر هاشم بعاطفة صادقة تجاه النبي صلى الله عليه وسلم، جعلت محبته للنبي مشهودة في أقواله وأفعاله، في شعره وخطبه، في كتبه ودروسه. كان حديثه عن السيرة العطرة حديث عاشقٍ لا تنفك روحه عن ذكر الحبيب، يُبكي السامعين قبل أن يُقنعهم، ويأسر القلوب قبل أن يبلغ العقول.
ولم تكن هذه المحبة مجرد انفعال وجداني، بل اقترنت بفهم عميق ودراية واسعة بعلوم الحديث، حيث شغل نفسه بتدريسه وتبسيطه، فاستطاع أن يجمع بين أصالة المتخصص، وقُرب العالم المربي من جمهوره، فنهل من علمه الألوف من طلاب الأزهر والمحبين حول العالم.
الوسطية نهجًا… والاعتدال منهجًا
في زمنٍ علا فيه الجدل واختلطت فيه المفاهيم، كان الدكتور أحمد عمر هاشم نموذجًا فريدًا في حمل منهج الأزهر الوسطي، لا يتعصب، ولا يُقصي، بل يفتح الأبواب ويوسع الآفاق. جمع بين الحكمة في الموقف والوضوح في العبارة، فكان يُوجّه دون تهجم، وينصح دون جرح، ويقول كلمة الحق متزنًا رزينًا، الأمر الذي منحه احترام الجميع، من العلماء والعامة، من المسؤولين والطلاب.
وقد شغل الراحل العديد من المناصب الرفيعة، منها رئاسة جامعة الأزهر وعضوية هيئة كبار العلماء، ومع ذلك، لم يُغيّره المنصب، بل زادته تواضعًا وقربًا من الناس، وحرصًا أكبر على أداء رسالته.
شاعر الدعوة وخطيب القلوب
لم يكن علمه قاصرًا على القاعات الأكاديمية، بل امتد إلى المنابر والمنتديات والندوات العامة. عُرف ببلاغة لسانه ودفء نبرته، وكان يتمتع بقدرة ارتجالية نادرة على نظم الشعر، مما جعله حاضرًا في الوجدان العام، ومحبوبًا لدى مختلف شرائح المجتمع. كانت كلماته تُحاكي الروح قبل أن تُخاطب العقل، لأنه تحدث من قلب ممتلئ بالإيمان والحب الصادق لدينه ونبيه.
الرحيل الذي لا يُطفئ النور
رحل جسد الدكتور أحمد عمر هاشم، لكن بقي نوره، وبقي علمه، وبقي الأثر الكبير الذي تركه في قلوب محبيه وتلاميذه، وفي الساحة الدعوية والفكرية التي طالما كان فارسها وحامل همها. ترك وراءه مكتبة علمية، ومواقف مشهودة، وأجيالًا من الدعاة والعلماء الذين يسيرون على دربه.
نسأل الله أن يتغمده بواسع رحمته، وأن يجعل قبره روضة من رياض الجنة، وأن يجزيه عن الأمة خير الجزاء، فقد كان من أولئك القلائل الذين أخلصوا، فصدَقوا، فثبّتهم الله، فصاروا منارات لا تنطفئ.
"إنا لله وإنا إليه راجعون."