د مشيرة العوضي تكتب: الداء والدواء .. والزواج والطلاق
شهدت السنوات الأخيرة ارتفاعًا ملحوظًا في نسب الطلاق بين الشباب والفتيات، مما أصبح ظاهرة مقلقة تهدد استقرار الأسر والمجتمعات. وتعددت الأسباب التي تقف وراء هذه الظاهرة، لتشمل عوامل اجتماعية واقتصادية ونفسية، فضلاً عن التحولات الثقافية التي طرأت على المجتمعات الحديثة.
أحد أهم الأسباب وراء ارتفاع نسب الطلاق هو غياب الوعي الكافي لدى الشباب والفتيات حول طبيعة الحياة الزوجية ومسؤولياتها. كثير من الأزواج يدخلون الحياة الزوجية بمفاهيم رومانسية بعيدة عن الواقع، معتمدين على العاطفة فقط دون التفكير في التحديات اليومية التي قد يواجهونها. كما أن غياب التوجيه والإرشاد قبل الزواج يجعلهم يفتقرون إلى المهارات الأساسية لحل المشكلات والتعامل مع الخلافات.
من جهة أخرى، تلعب المشكلات الاقتصادية دورًا كبيرًا في تفاقم هذه الظاهرة. الظروف المعيشية الصعبة وارتفاع تكاليف الحياة يضعان ضغطًا نفسيًا كبيرًا على الزوجين، مما يؤدي إلى تزايد الخلافات. بالإضافة إلى ذلك، فإن عدم الاستقرار الوظيفي أو الدخل المحدود قد يساهم في فقدان الثقة بين الطرفين.
تدخل الأهل والمجتمع في حياة الأزواج أيضًا من أبرز الأسباب التي تؤدي إلى انهيار العلاقات الزوجية. في كثير من الأحيان، يتسبب التدخل المفرط للأهل في إحداث فجوة بين الزوجين، حيث يشعر كل طرف بأنه لا يملك استقلالية في قراراته.
بالنسبة للفتيات، قد تكون أسباب الطلاق مرتبطة بتهميش دورهن أو شعورهن بعدم تحقيق الذات داخل العلاقة. التوقعات غير الواقعية، سواء من الفتاة أو من المجتمع، تجعلها في كثير من الأحيان تشعر بالإحباط والرغبة في إنهاء العلاقة.
لحل هذه المشكلة، يجب اتخاذ خطوات عملية للتوعية والتثقيف. أولاً، ينبغي إنشاء برامج تأهيلية للمقبلين على الزواج لتعليمهم المهارات الضرورية لبناء علاقة صحية، مثل كيفية التعامل مع المشكلات، إدارة الغضب، وتقبل الآخر. كما يمكن أن تسهم جلسات المشورة الأسرية في مساعدة الأزواج على تجاوز الأزمات وتحسين تواصلهم.
على المستوى الاقتصادي، يجب توفير الدعم للشباب لتخفيف الأعباء المالية عنهم، مثل تقديم قروض ميسرة للأزواج الجدد أو توفير فرص عمل مستقرة. كذلك، تعزيز ثقافة الحوار بين الأزواج يمكن أن يسهم في تقوية العلاقة ويقلل من احتمال تفاقم الخلافات.
من الضروري أيضًا تقليل تدخل الأهل في حياة الأزواج، عبر نشر الوعي حول أهمية ترك مساحة من الخصوصية للزوجين لاتخاذ قراراتهما دون ضغوط خارجية.
وأخيرًا، فإن الإعلام والمؤسسات الدينية والاجتماعية يمكن أن تلعب دورًا هامًا في نشر ثقافة المسؤولية الزوجية. من خلال تسليط الضوء على أهمية التفاهم والاحترام المتبادل، يمكن الحد من نسب الطلاق وتحقيق استقرار أكبر للعائلات.
الزواج علاقة شراكة تتطلب التفاهم والتضحية من الطرفين. وإذا عمل المجتمع بمختلف مؤسساته على توفير الدعم للأزواج الشباب وتثقيفهم، يمكننا تقليل هذه الظاهرة التي تهدد استقرار الأسر، وبالتالي استقرار المجتمع ككل.