خيرى حسن يكتب: بلقيس وصوفيا: قصتان من الحب والفقد تكشفان أسرار الزواج والسعادة في حياة نزار قباني وتولستوي
فى عام 1976 تحدث الشاعر نزار قبانى عن زواجه من بلقيس الراوي- إحدى أجمل نساء العرب فى القرن العشرين - فقال:
" لقد تزوجت من امرأة تفهمنى جداَ، ومتحضرة جداَ فى نظرتها للشعر، وهى تعتبر أن شعري هو إضافة لها، وهو - أى الشعر - شريك لها فى الحياة الزوجية".
فعاد وسأله السائل:
" بمعنى إيه شريك أستاذ نزار"؟
سكت قليلاً ثم قال:
" هى ردت على سؤال يشبه سؤالك عندما سألوها:
" يا بلقيس..ما بتغاري من معجبات نزار قباني"؟ قالت:
" لأ..لقد تزوجت نزار وأنا أعرف جميع معارفه، وأعرف أن له معجبات، ويوم لا يصبح لنزار معجبات.. فلن يبقى نزار"!
وبعد 6 سنوات تقريباً من هذا الحديث، وهذا الرأى، وهذا القول، وبالتحديد في يوم 15 ديسمبر 1981، فُجِّرت السفارة العراقية في بيروت، وقد تبنى حزب كان اسمه (الدعوة الإسلامية العراقي) حادث التفجير وأُعلن إن الذي قام بذلك التفجير انتحاري كان اسمه (أبو مريم).
ويصف نزار قباني هذه اللحظة قائلًا:
"كنت في مكتبي بشارع الحمراء - فى بيروت - حين سمعت صوت انفجار زلزلني من الوريد إلى الوريد ولا أدري كيف نطقت ساعتها قائلاَ:
"يا ساتر يارب"!
بعد دقائق جاء من ينعي إليه الخبر قائلاً:
" السفارة العراقية نسفوها ( كانت بلقيس تعمل فى السفارة ) فقال نزار - وهو مازال يجلس فى مكانه:
" بلقيس راحت".
ليكتب بعدها مرثية فى وداعها تُعد واحدة من أطول، وأجمل، وأصدق، وأبدع، ما كتب شاعر فى وداع حبيبته، فى وداع خليلته، فى وداع زوجته، وفى وداع كل شئ جميل فى حياته.. ومما قال فيها:
"هل تعرفونَ حبيبتي بلقيسَ؟
فهي أهمُّ ما كَتَبُوهُ في كُتُبِ الغرامْ
كانتْ مزيجاً رائِعَاً
بين القَطِيفَةِ والرُّخَامْ ..
كان البَنَفْسَجُ بينَ عَيْنَيْهَا
ينامُ ولا ينامْ ..
بلقيسُ ..
يا عِطْرَاً بذاكرتي ..
ويا قبراً يسافرُ في الغمام ..
قتلوكِ ، في بيروتَ ، مثلَ أيِّ غزالةٍ
بعدما.. قَتَلُوا الكلامْ ..
بلقيسُ ..
ليستْ هذهِ مرثيَّةً
لكنْ ..
على العَرَبِ السلامْ"
كانت هذه بلقيس زوجة الشاعر نزار قبانى الذى قال عنها ذات يوم (" كان البنفسج بين عينيها ينام ولا ينام") فهى امرأة كانت تحبه وتحبها الحياة، وكان هو رجل يحبها ويحب الحياة..
لقد كانت بلقيس - قبل موتها - سر سعادة نزار قبانى فى الحياة.. وكانت - بعد مقتلها - سر تعاسته فى الحياة.
وعندما نذهب إلى روسيا فإننا سنجد هناك زوجة أخري تدعى (صوفيا) كانت سر (تعاسة) زوجها الأديب والمفكر والمصلح الاجتماعى تولستوى. ( أهم أديب روسي فى القرن 19)
لقد عاشت معه 50 سنة وانجبت له ثلاثة عشر ولداً وبنتاَ وكان يحبها حباًّ كبيراً؛ إلا أنها كانت سر تعاسته فى الحياة حتى أن ابنتها قالت عنها فى كتاب اصدرته:
" أمى سبب المأساة فى حياة أبى"!
وعن سر هذه المأساة قال رجاء النقاش:
" كانت مجرد امرأة، أما هو فكان أكثر من إنسان"..
إن الأديب تولستوى - كان يُعد من كبار الأغنياء فى عصره - ورغم ذلك كان يحب الفقراء فيما كانت تحب الأغنياء.. كان يحب الناس وكانت تكره الناس. كان يحب التواضع، وكانت تحب الكبرياء.
كانت تعيش الحاضر وهو يعيش المستقبل. كانت تحب المال وهو لا يحب المال.
وبعدما مات تولستوى هجرها الناس واعتبروها مسئولة عن مأساته، وأحزانه، لأنها كانت - عكس بلقيس زوجة نزار - لا تعرف زوجها حق المعرفة الإنسانية، والروحية، والزوجية الصحيحة.
لذلك عاشت (بلقيس) وعاش ( نزار) حتى موتها حياة سعيدة مبهجة، جميلة.
أما (صوفيا) فقد عاشت - حتى موت تولستوى - الذى مات قبلها - حياة حزينة، كئيبة، مزعجة، وظلت فى أيامها الأخيرة تعانى الوحدة، والتجاهل، ثم أصابها الجنون الذى قادها إلى القبر..
هذه هى بلقيس..وهذه هى صوفيا...وهذا هو الحب..وهذه هى الحياة..وهذا هو الزواج..والزواج( قسمه ونصيب)!
•• الأحداث حقيقية.. والسيناريو من خيال الكاتب.
•• المصادر:
كتاب: التماثيل المكسورة - رج
اء النقاش - طبعة دار المعارف .
الصور:
نزار قبانى - بلقيس