حسن أحمد يكتب: ماذا يريد وزير التربية والتعليم من أبنائنا؟!

في كل دول العالم، تُعتبر العملية التعليمية حجر الأساس لبناء المستقبل، وأداة رئيسية لنهضة الأمم وتقدمها. ومن الطبيعي أن يكون على رأس هذه المنظومة وزير يحمل همّ التعليم، ويتعامل مع قضايا الطلاب وأولياء الأمور والمعلمين بمزيج من الحكمة والتخطيط المدروس. ولكن في واقعنا الحالي، يطرح المواطن العادي سؤالًا بسيطًا وعميقًا: ماذا يريد وزير التربية والتعليم منا ومن أبنائنا؟
لقد أصبحت العملية التعليمية في بلادنا تمر بمنعطف خطير؛ فلم تعد الكفاءة الحقيقية أو التحصيل العلمي الموثوق مرتبطًا بالشهادة الدراسية كما كان في السابق. تحوّل التعليم، مع الأسف، إلى أرقام ونتائج صورية، بينما الجوهر التعليمي الذي يُفترض أن ينمي العقول ويصقل المهارات، بات في تراجع ملحوظ. ومع هذا التراجع، كان من الأولى أن يتعامل المسؤولون مع المنظومة التعليمية بعقلانية وتدرج وحذر، لا أن يتم إصدار قرارات مفاجئة وقاسية تزيد من حيرة الطلاب وأولياء الأمور، بل قد تعرض أبنائنا لضغط نفسي وعصبي شديد.
من غير المعقول، على سبيل المثال، أن يتم إرسال امتحانات مفاجئة لطلاب في المرحلة الابتدائية دون سابق إنذار أو إعداد كافٍ. أو مر عليها وقت من أول التيرم، كيف لطلاب صغار، ما زالوا في طور تأسيس معارفهم وقدراتهم النفسية والذهنية، أن يُفاجأوا باختبارات لم يتم إخطارهم بها أو تدريبهم عليها بشكل مناسب؟ بل الأدهى، أن هذه الامتحانات تأتي في سياق يعجز فيه أولياء الأمور أنفسهم عن تفسير طبيعتها أو أهدافها. فبدلًا من أن تكون المدرسة بيئة تعلم آمنة ومحفزة، أصبحت مصدر قلق وضغط نفسي لا مبرر له.
إن القرارات التي تتخذ دون دراسة كافية للواقع، ودون إشراك الخبراء التربويين والمعلمين وأولياء الأمور، ليست سوى عبء إضافي على منظومة تعليمية تتآكل من الداخل. الإصلاح الحقيقي لا يكون بإرهاق الطلاب والضغط عليهم بامتحانات وتجارب جديدة دون تمهيد، بل يبدأ بفهم عميق لمشاكل التعليم الحقيقية: تدني مستوى المناهج، ضعف تأهيل المعلمين، غياب الأنشطة التربوية المحفزة، وبُعد المسار التعليمي عن احتياجات سوق العمل والحياة اليومية.
وزير التربية والتعليم، أليس هدفك الأول هو بناء جيل واعٍ ومبدع ومؤهل علميًا؟ أم أن الهدف أصبح مجرد رفع نسب النجاح أو تطبيق خطط ورقية بلا أثر حقيقي؟ إن أبناءنا ليسوا حقل تجارب لخطط مرتجلة، ولا أوراقًا تختبر عليها مشاريع إصلاحية بعيدة عن الواقع. الطفل الذي يفقد شغفه بالتعلم بسبب السياسات الخاطئة، سيكون خسارة للوطن كله.
التعليم يحتاج إلى رؤية متكاملة تقوم على إشراك جميع الأطراف في رسم السياسات، وتحترم الفروق الفردية بين الطلاب، وتمنح المعلمين الأدوات الفعلية للنجاح، لا أن تكون مجرد قرارات فوقية تفرض دون تمحيص أو تدرج.
نحن نريد تعليمًا حقيقيًا يُنصف أبناءنا، ويراعي احتياجاتهم النفسية والعلمية، ويبني عقولهم لا أن يحطم أحلامهم. فهل يستمع الوزير لصوت العقل، أم يستمر في طريق القرارات الصادمة؟ أو اتخاذ قرارات كأن التعليم معركة مع الطلاب، لا رسالة نبيلة لصنع المستقبل.
وفي الختام، نقولها بصدق وألم: لا نريد أكثر من أن يكون لأبنائنا حقهم في تعليم حقيقي منصف، يُبنى على الفهم لا الحفظ، على التفكير لا التلقين، وعلى التخطيط الواعي لا الارتجال الذي يضر بهم.