فن صناعة القرار: بين جودة القرار والتوقيت الذهبي

أبريل 12, 2025 - 22:48
فن صناعة القرار: بين جودة القرار والتوقيت الذهبي

بقلم الأستاذ الدكتور: جيهان رجب 

أستاذ بجامعة عين شمس

في عالم يمتلئ بالتغيرات والتحديات، لا تقاس نجاحات القادة وصناع السياسات فقط بنوعية القرارات التي يتخذونها، بل أيضا بتوقيت اتخاذ هذه القرارات وكيفية إعلانها. القرار الجيد في التوقيت الخاطئ قد يؤدي إلى الفشل، والعكس بالعكس.

فهل يكفي أن يكون القرار سليما من الناحية الفنية ؟ هل هناك "توقيت مثالي" لاتخاذ القرار؟ ومتى يكون إعلان القرار أذكى من القرار نفسه ؟ وهل التجاهل المجتمعي للتمهيد والإقناع قد يضرب القرار في مقتل ؟ ما هي أسرار صناعة القرار الجيد؟ ومتى يكون توقيت اتخاذه سليما؟ وكيف يمكن اختيار اللحظة المناسبة لإعلانه؟

صناعة القرار الجيد هي عملية عقلانية منظمة تبدأ من تحليل المشكلة أو الموقف، ثم جمع المعلومات، فدراسة البدائل، وأخيرا اختيار الحل الأنسب بناء على الأهداف المرجوة. ويتميز القرار الجيد بعدة سمات ... قائم على معلومات دقيقة وواقعية ، يخدم المصلحة العامة أو الهدف الأساسي ، يتنبأ بالنتائج المحتملة، ويوازن بين المكاسب والخسائر ،يشمل تقييم المخاطر وخطط التعامل معها.

التوقيت السليم هو أحد مفاتيح نجاح أي قرار. فلا فائدة من قرار صحيح يتم اتخاذه بعد فوات الأوان، ولا من قرار متسرع يؤدي إلى نتائج سلبية. ولضبط التوقيت يجب قراءة السياق جيدا (سياسيا، اقتصاديا، اجتماعيا) ، و الاستجابة للفرصة المناسبة أو تجنب خطر وشيك ، والتنبؤ بردود الفعل ومحاولة تقليل الصدمات ، والاستعداد الكامل للتنفيذ الفوري بعد القرار.

إعلان القرار للجمهور أو المعنيين به لا يقل أهمية عن اتخاذه نفسه. الإعلان في توقيت غير مدروس قد يثير البلبلة، أو يفقد القرار تأثيره. ولذا يجب مراعاة التمهيد الإعلامي والنفسي للقرار عبر التواصل المسبق ، واختيار اللحظة المناسبة للإعلان كأن تكون بعد استقرار أو نجاح سابق ، والشفافية والصراحة عند عرض القرار لتقليل القلق أو الاعتراض ، والاستعداد للإجابة عن الأسئلة ومواجهة ردود الفعل.

صناعة القرار الناجح لا تكتمل دون نظرة شاملة تشمل جودة القرار، وتوقيت اتخاذه، وتوقيت إعلانه. القادة الناجحون لا يقاسون فقط بأفكارهم، بل بقدرتهم على التحكم في التوقيت، والتواصل الفعال، وكسب ثقة الناس عند تنفيذ قراراتهم. فليس كل قرار قوي هو قرار ناجح، ولكن القرار القوي في الوقت المناسب وبالأسلوب المناسب ... هو مفتاح النجاح الحقيقي.

رفع البنزين 2025.... كيف يفشل القرار عندما يغيب فن التوقيت؟

في أبريل 2025، أعلنت الحكومة المصرية رفع أسعار البنزين والسولار، ضمن خطة تقشفية وتماشيا مع اتفاقها مع صندوق النقد الدولي. رغم أن القرار من الناحية الاقتصادية قد يكون مبررا لتقليل عجز الموازنة وتخفيف الضغط على الدعم، إلا أن توقيت اتخاذ القرار وإعلانه أثار انتقادات واسعة ، من حيث صناعة القرار ... القرار اعتمد على معطيات اقتصادية حقيقية، مثل زيادة تكلفة الاستيراد والضغط على العملة المحلية. لكن من حيث توقيت الإعلان ... جاء القرار في توقيت يعاني فيه المواطن من ضغوط اقتصادية قوية، ووسط موجة تضخم غير مسبوقة، مما زاد من شعور المواطنين بالعبء. ومن حيث أسلوب الإذاعة ... لم تسبقه حملة تمهيدية واضحة تشرح أسباب القرار أو تعرض البدائل، مما أدى إلى صدمة في الرأي العام وزيادة التوتر.

القرار الصحيح إذا لم يتم إعداده وتمريره بطريقة مدروسة، قد يفقد تأثيره الإيجابي، بل ويتحول إلى عبء سياسي أو اجتماعي ، فصناعة القرار ليست مجرد اختيار بين بدائل، بل هي فن يرتبط بالبصيرة والقدرة على قراءة الواقع والتفاعل معه بذكاء. وتجربة رفع أسعار البنزين في أبريل 2025 تؤكد أن القرارات الكبرى تحتاج إلى شفافية، وتواصل مسبق مع الجمهور، وإدارة ذكية للتوقيت.

من حق الدولة أن تتخذ قرارات إصلاحية، ولكن من حق المواطن أيضا أن يشرح له لماذا، ومتى، وكيف. الفجوة بين صانع القرار والمواطن هي الخطر الأكبر على أي خطة إصلاح. إن تحسين جودة القرارات يبدأ من الإيمان بأن الناس شركاء في الحل، وليسوا فقط متلقين للنتائج.

والأهم من اتخاذ القرار، هو كسب القبول المجتمعي له. لأن القرار الذي يفرض دون تمهيد، قد يرفض حتى لو كان ضروريا .