الكاتبة مها السحمراني تكتب: طرابلس تختنق بين البرغش وباخرة الأغنام... والبلدية نائمة

طرابلس، المدينة التي لطالما تغنّى أهلها بتاريخها العريق وثقافتها المضيئة، باتت اليوم تتنفس الصعداء بصعوبة وسط أزمات صحية وبيئية خانقة. وعلى أعتاب الانتخابات البلدية، تعلو الوعود، وتتضخم التصريحات، إلا أن الواقع يصرّ على التذكير بأن هموم الناس أعمق من صناديق الاقتراع، وأن طرابلس بحاجة لمن يحمل همّها فعلاً لا قولًا.
من بين أبرز الأزمات المتفشية في المدينة، تبرز كارثتان لا تقلان خطورة عن بعضهما البعض: البرغش، وباخرة الأغنام. قد تبدو الكلمتان عابرتين لأول وهلة، لكن ما تعنيه كل واحدة منهما هو كابوس يومي يعيشه الطرابلسيون.
البرغش، أو كما يصفه السكان بـ"الضيف الذي لا يُطرد"، تحوّل من مجرد حشرة مزعجة إلى رمز للإهمال المزمن. يملأ البيوت، يغزو الشوارع، ولا يترك بقعة دون أن يحطّ فيها، تاركًا وراءه علامات لدغاته على الأجساد، والانزعاج على الوجوه، وتوتر الأطفال والمرضى وكبار السن. انتشاره الكثيف لم يأتِ من فراغ، بل هو نتيجة غياب حملات الرش الوقائي المنتظمة، وتردّي شبكات الصرف الصحي، وغياب النظافة العامة، وخصوصًا في الأحياء الأكثر فقرًا.
وفي موازاة ذلك، تقف باخرة الأغنام في مرفأ طرابلس كتمثال للفشل الإداري والفساد البيئي. ترسو منذ أشهر، تنفث روائحها الكريهة كل يوم، وتنشر الجراثيم في الهواء والمياه، وسط صمت رسمي مريب. السكّان القريبون من المرفأ يشتكون من التلوّث والروائح التي لا تُطاق، ويؤكدون ارتفاع حالات التحسس والأمراض التنفسية، فيما لا يبدو أن هناك من يحرّك ساكنًا.
هاتان الأزمتان ليستا وليدتي لحظة، بل نتاج سنوات من الإهمال و"البلدية النائمة" التي لم تُحسن إدارة أبسط الملفات الخدمية، فكيف بها اليوم وهي تتهيأ للدخول في استحقاق انتخابي؟! البعض يرى أن الانتخابات قد تكون فرصة لتصحيح المسار، بينما يعبّر آخرون عن يأسهم من وجوه تتكرر ووعود تُنسى بمجرد انتهاء الحملة الانتخابية.
لكن طرابلس تستحق أكثر. تستحق بلدية قادرة على النزول إلى الشارع لا على المنصات، بلدية تُنصت إلى أنين الأطفال الذين لا ينامون بسبب البرغش، وتتحرّك فورًا لإزالة باخرة الأغنام لا لمراوغتها. بلدية تخجل من التقصير لا تتباهى بإنجازات وهمية.
المدينة اليوم ليست بحاجة إلى مهرجانات انتخابية، بل إلى خطة طوارئ بيئية وصحية. طرابلس لا تنتظر شعارات جديدة، بل فعلًا حقيقيًا، رقابة صارمة، وشفافية في القرار. فهل تعي القوى السياسية أن أزمة المدينة الحقيقية ليست فقط في صناديق الاقتراع، بل في الحاويات الممتلئة، في البعوض الذي لا يُردع، وفي البواخر التي لا ترحل؟
طرابلس تختنق... فهل من مُنقذ؟