الإيجار القديم.. ورطة تاريخية تبحث عن حل عادل حين يتحول المنزل إلى ساحة نزاع قانوني واجتماعي

إعداد: ا.د جيهان رجب
أستاذ بجامعة عين شمس
العدالة ليست أن ننصف طرفا على حساب آخر ، بل أن نعيد التوازن حين يختل ، قانون الإيجارات الجديد يثير جدلا كبيرا في مصر، خاصة في ظل العلاقة التاريخية المتوترة بين المالك والمستأجر منذ عقود ، ما بين العدالة والانصاف ومخاوف الواقع ..... هناك العديد من التساؤلات .... هل يعيد القانون الجديد التوازن بين المالك والمستأجر بعد عقود من الخلل ؟؟؟ ماهى التحديات الأخلاقية والإجتماعية التى ترافق تطبيقه ؟؟؟ كيف نحقق عدالة حقيقية دون أن نسقط فئات ضعيفة من حسابات الإصلاح ؟؟؟ هل يمكن الوصول الي حل وسط يحفظ الحقوق ويصون الكرامة ؟؟؟
الإيجار القديم .... عدالة مؤجلة بين إرث الاشتراكية وحق الملكية ... عبر عقود طويلة ، ظل قانون الإيجار القديم أحد أكثر الملفات حساسية في مصر، هو ليس مجرد مسألة قانونية ، بل مرآة تعكس صراعات أوسع ، بين إرث دولة اشتراكية أرادت حماية الفقير بأي ثمن ، وواقع جديد يطالب بتصحيح الخلل وإنصاف حق الملكية. فمنذ خمسينيات ، وستينيات القرن الماضي ، وبدافع حماية المستأجرين في ظل ظروف اقتصادية صعبة ، تم تثبيت الإيجارات في مستويات زهيدة ، وتوريث العقود جيلا بعد جيل ، ما بدا حينها إنصافا ، تحول بمرور الزمن إلى قيد اقتصادي أثقل كاهل آلاف الملاك ، الذين لا يستطيعون التصرف في ممتلكاتهم ولا تحصيل قيمة عادلة مقابل استخدامها.فكان المنطق الاشتراكي واضحا، تمثل فى حماية محدودي الدخل وتوفير سكن آمن بثمن رمزي. لكن في مقابل هذه الحماية، نشأت شريحة من الملاك تعيش ظلما مزدوجا ، لا تستطيع رفع الإيجار ، ولا استعادة الوحدة ، ولا حتى التصرف فيها. تحولت الملكية إلى حيازة اسمية بلا قيمة اقتصادية حقيقية.
القانون الجديد المقترح ، بتحرير تدريجي للإيجارات القديمة ، ليس مجرد إجراء تشريعي ، بل محاولة لتصحيح "عدالة مؤجلة".... من أبرز ملامحه (بحسب المقترحات الأخيرة) ... تحرير تدريجي لعقود الإيجارات القديمة ، زيادة القيمة الإيجارية بنسب سنوية محددة ، عدم توريث الإيجار الا لفئات محددة (الزوجة أو الأبناء القصر) ، إعطاء مهلة لتوفيق الأوضاع أو مغادرة الوحدة. و التحدي الحقيقي يكمن في كيفية تنفيذ هذاالتصحيح دون أن يتحول إلى أزمة إنسانية أو تشريد لملايين المستأجرين. العدالة الحقيقية لا تعني فقط إنصاف المالك ، بل أيضا حماية المستأجر ، خاصة كبار السن ، ومحدودي الدخل ، وأسرا لا تملك بديلا سكنيا.
تباينت وجهات النظر من جانب المالكين والمستأجرين ، المالكين يعتبرون القانون القديم ظالما ومجحفا وغير عادل ، ويرون انه عطل العوائد العقارية لسنوات حيث يجبرهم علي تأجير وحداتهم بمبالغ زهيدة لا تتناسب مع أسعار السوق أو تكلفة المعيشة ، يرفضون بقاء وحدات في مواقع استراتيجية بإيجارات لا تتعدى ١٠ جنيهات شهريا بينما تقدر قيمة العقار السوقية بملايين الجنيهات.
وجهة نظر المستأجرين ، يخشون من التهجير أو عجزهم عن عدم القدرة علي تحمل القيمة الجديدة للعقار ، يعتبرون أنفسهم شركاء في الحفاظ علي العقار وصيانته ، يتخوفون من فتح الباب لتعسف أو طرد قسري غير إنساني.
وسط هذا الجدل المتصاعد حول قانون الإيجارات ، يظل هناك صوت خافت لكنه عميق، يجب أن نصغي إليه جيدا !!! صوت الفقراء والمستضعفين ، الذين لم يعودوا قادرين على تحمل موجات الغلاء ، ولا على مجاراة الارتفاع المبالغ فيه في أسعار الإيجارات الجديدة ، في ظل غياب مساكن بديلة ، وارتفاع إيجارات الشقق الجديدة إلى آلاف الجنيهات ، يجد آلاف الأسر أنفسهم مهددين بفقدان السكن الذي يمثل لهم الأمان ، والذكريات ، والانتماء .... الحديث عن تحرير الإيجارات يجب أن يرافقه مشروع مواز لدعم غير القادرين .... إيجارات مخفضة ، وحدات بديلة ، دعم مباشر ، أو حتى برامج "سكن كريم" ترعاها الدولة والمجتمع المدني معا.
"لا نريد أن نظلم المالك … لكن لا نريد أن نكسر الفقير. فالعدالة بدون رحمة تصبح قسوة.".... نريد تصحيحا عادلا .... إنسانيا .... ومسؤولا.