السفير د .عادل عيد يوسف يكتب: سوريا ساحة الصراع الإقليمي و تتضارب المصالح

Mar 8, 2025 - 13:37
السفير د .عادل عيد يوسف يكتب: سوريا ساحة الصراع الإقليمي و تتضارب المصالح

في خضم الصراعات الدائرة في سوريا، تتداخل المصالح الإقليمية والدولية بطريقة تجعل من المستحيل فرض حل بسيط أو تحقيق مشروع تقسيم كما تخطط له إسرائيل وأمريكا. فبينما تحاول تل أبيب استغلال كل فرصة لإعادة رسم الخارطة، تبقى الحسابات أكثر تعقيدًا بسبب التدخل التركي والإيراني والروسي، حيث لكل طرف أجندته الخاصة التي تجعله لاعبًا مستقلًا لا يخضع كليًا لأي معسكر.

تركيا.. مصلحة لا علاقة لها بالمبادئ

تركيا، التي لطالما دعمت المعارضة المسلحة ضد النظام السوري، لم تكن يومًا تدافع عن الحرية أو الديمقراطية كما زعمت، بل كانت تحركها دوافع جيوسياسية بحتة. بالنسبة لأنقرة، سوريا ليست سوى ساحة خلفية يجب ضبطها وفق المصالح التركية، وأهم هذه المصالح هو منع قيام أي كيان كردي مستقل على حدودها، وهو ما يفسر تدخلاتها العسكرية المتكررة شمال البلاد.

ورغم العداء الظاهري بين تركيا والنظام السوري، إلا أن أنقرة ساعدت قوات الشرع في عدة محطات، خصوصًا عندما يتعلق الأمر بمواجهة الجماعات الكردية. في لحظات معينة، بدا وكأن هناك تفاهمًا غير معلن بين الطرفين، حيث يغض النظام الطرف عن بعض التحركات التركية مقابل السماح له بالاستفادة من الوضع العسكري المتغير لصالحه. وهذا يثبت أن تركيا، رغم كل خطابها الداعم للمعارضة، لا تبحث عن إسقاط النظام بقدر ما تسعى لحماية مصالحها الخاصة.

إيران.. اللاعب الصبور الذي لا يخسر

أما إيران، فهي تلعب على المدى الطويل. لا تبحث عن نصر سريع، ولا تهتم كثيرًا بشكل النظام السوري بقدر ما تهتم بالإبقاء عليه كحليف استراتيجي ضمن محور “المقاومة”. دعمها لدمشق ليس فقط من باب الحفاظ على مصالحها العسكرية، بل لضمان استمرار نفوذها الإقليمي الممتد من طهران إلى بيروت مرورًا ببغداد ودمشق.

إيران تدرك أن الصراع السوري ليس معركة تُحسم بالسلاح وحده، بل هو صراع نفوذ طويل الأمد، ولهذا تعمل بهدوء على ترسيخ وجودها العسكري والثقافي في سوريا، عبر ميليشياتها المنتشرة وتغيير البنية الاجتماعية في بعض المناطق لتعزيز ولائها. هذه الاستراتيجية تجعلها أقوى من مجرد قوة داعمة، بل شريكًا أساسيًا في تقرير مستقبل البلاد، وهو أمر لن تتخلى عنه بسهولة مهما كانت الضغوط الدولية.

روسيا.. استقرار لا تشارك فيه الدول الأخرى

على عكس بقية القوى الإقليمية، روسيا ليست معنية بمشروع تقسيم سوريا، ولا تسعى إلى تفتيت البلاد كما تفعل إسرائيل أو بعض القوى الغربية. مصالحها تتعلق بالحفاظ على دولة مركزية قادرة على حفظ الاستقرار، ليس من باب دعم الأسد بحد ذاته، ولكن لضمان استمرار نفوذها العسكري والاقتصادي في المنطقة.

موسكو ترى أن الفوضى في سوريا تعني فتح الباب أمام النفوذ الأمريكي والإسرائيلي، وهو ما يتعارض مع استراتيجيتها في الشرق الأوسط. لهذا، ورغم كل التحالفات المعقدة، تبقى روسيا الدولة الوحيدة التي تسعى إلى تسوية تمنع التقسيم، حتى لو كان ذلك يعني فرض توازن قسري بين جميع الأطراف.

المشهد النهائي.. لا تقسموا سوريا، بل سيطروا عليها

كل هذه العوامل تجعل مشروع تقسيم سوريا الذي تحاول إسرائيل فرضه أكثر تعقيدًا من أي وقت مضى. فتركيا لها مصالحها التي لا تتوافق تمامًا مع الخطط الغربية، وإيران تعمل ضمن

حسابات لا تتوافق مع التقسيم، وروسيا ترى أن بقاء سوريا موحدة يخدم نفوذها الإقليمي أكثر من أي خيار آخر.

إسرائيل، بصفتها الوكيل الأمريكي في المنطقة، قد تستمر في اللعب على المتناقضات، وقد تجد طرقًا جديدة لتأجيج الصراع، مثل استغلال قضية الدروز، لكنها ستواجه دائمًا حقيقة أن سوريا ليست يوغوسلافيا، وأن خيوط اللعبة ليست بيدها وحدها. فالمنطقة مليئة بلاعبين كبار، لكل منهم أجندته، وكل منهم مستعد للتضحية بأجزاء من نفوذه، لكنه لن يقبل أبداً أن يُقصى تمامًا. لهذا، لن يكون هناك تقسيم واضح للحدود، بل صراع مستمر على السيطرة، حيث يحاول كل طرف تحقيق أكبر قدر من المكاسب دون أن يسمح للآخرين بتجاوزه تمامًا.

النتيجة؟ سوريا ستظل ساحة مفتوحة للصراعات، لكن حلم التقسيم الذي كانت تل أبيب تروج له منذ سنوات، لن يتحقق بسهولة، وربما لن يتحقق أبدًا