محمود مدين.. كاتب بدرجة فنان: أكتب لأنني أتنفس، وأؤمن أن الأدب لا يُصنَّف

حوار: ياسمين مجدي عبده
يؤمن أن الكتابة ليست هواية ولا مهنة، بل حياة كاملة تمارسها الروح قبل أن تخطها اليد. يرى أن الكاتب لا ينبغي أن يُحبس في نوعٍ أدبي واحد، بل يجب أن يكون كالسحابة، تتشكل بحرية، وتحلّق حيث تشاء. هو "محمود مدين"، الكاتب الذي جمع بين الأدب والفن والحِرف اليدوية، فكان بحق "كاتبًا بدرجة فنان".
عن البدايات، والهوايات، وأعماله الأدبية، كان لنا معه هذا الحوار الخاص.
لو طلبنا منك أن تعرّفنا بنفسك من حيث البدايات.. ماذا تقول؟
بدايتي مع الكلمة كانت مبكرة جدًا. كنت طفلاً مختلفًا عن أقراني، هادئ الطباع، ميّالًا للعزلة، أجد في القراءة عالمي الخاص. كنت أقرأ كتب إخوتي الأكبر سنًا، وأول رواية وقعت بين يدي كانت الأيام لعميد الأدب العربي طه حسين، وقد قرأتها أكثر من خمس مرات. من هنا بدأ شغفي بالقراءة، وتطورت العلاقة لتصبح شغفًا بالكتابة، لا سيّما مع حبي الكبير لمادة التعبير.
هل كانت الكتابة عادة لديك منذ الصغر، أم موهبة نمت بمرور الوقت؟
الكتابة كانت عادة وميراثًا. أظن أنني ورثت هذا الميل عن والدي، الذي لم يكمل دراسته لأسباب قهرية، لكنه كان يبرع في الكتابة والرسم. قبل احترافي، كنت أكتب للتنفيس عن مشاعري: خواطر، يوميات، تأملات. لا أنسى عندما كنت في المرحلة الإعدادية، رفضت استخدام الدباجة التقليدية في سؤال التعبير، واخترعت مقدمة خاصة بي، نالت إعجاب المراقب في الامتحان لدرجة أنه أثنى عليّ أمام زملائي.
من أول من دعمك في مسيرتك الأدبية؟
بكل صدق، لم أتلقَ دعمًا مباشرًا من أحد. دعمت نفسي بنفسي، ربما لأن الوسط الذي نشأت فيه لم يكن يعطي اهتمامًا كبيرًا للكتابة. لكنني كنت مؤمنًا بأن الطريق لا يُعبَّد إلا بخطوات صاحبه، فواصلت.
ما الرواية الأقرب إلى قلبك من بين ما كتبت؟ ولماذا؟
أقرب أعمالي إلى قلبي هو عملي الأخير، رغم أنه لم يصدر بعد. هذا العمل استنزفني ذهنيًا ونفسيًا وروحيًا، وأشعر بأنه سيكون علامة فارقة في مشواري الأدبي. لذا، له مكانة خاصة عندي.
كيف تختار مواضيعك؟ وهل تفضل نوعًا أدبيًا معينًا؟
الاختيار لا يخضع لقواعد. الفكرة تأتيني كوميض مفاجئ: موقف مرّ بي، حلم راودني، فكرة علقت بالذهن. لا أحب أن أقيّد نفسي بتصنيفات، أكره التصنيف أصلًا. أكتب ما أشعر به، وأؤمن أن الكاتب يجب أن يكون قادرًا على الكتابة في كل الأنواع الأدبية، ما دام ما يقدمه صادقًا.
برأيك، ما مزايا النشر الورقي وعيوبه؟
من مزايا النشر الورقي أنه يُخلّد العمل، ويوفر للكاتب شعورًا لا يُضاهى حين يمسك كتابه مطبوعًا. كما يُسهّل المشاركة في الفعاليات الثقافية. لكن عيوبه لا تُنكر، وعلى رأسها استغلال بعض دور النشر لحلم الكاتب، وتحويل الأمر إلى تجارة بحتة تقوم على الربح المادي.
هل تكتب لتعبّر عن نفسك فقط، أم تسعى لإيصال رسالة؟
الكتابة بالنسبة لي ليست وسيلة، بل حياة. إنها المتنفس الذي أستطيع من خلاله أن أشكل عالمي بحرية. أكتب لأتنفس، لأفهم نفسي، وربما لأفهم الآخرين أيضًا.
حدّثنا عن عملك القادم؟
كل ما أستطيع الإفصاح عنه الآن، أن عملي القادم يدور في الفترة ما بين عامي 1906 و1960. هي مرحلة زمنية غنية بالأحداث والتحولات، وأطمح أن أقدّم خلالها عملًا أدبيًا ذا طابع إنساني وتاريخي في آن.
كيف تتعامل مع النقد؟
أتقبّل النقد الإيجابي بصدر رحب، لأنه يطوّرني. أما النقد لأجل النقد، أو الهجوم المجاني، فلا أعيره اهتمامًا. ما يهمني هو أن أتعلم وأن أتطوّر، لا أن أُرضي الجميع.
هل مررت بلحظة فشل تحولت إلى نجاح؟
نعم، أتذكر أثناء كتابة روايتي أنثى العقرب، كنت قد وصلت إلى السطر الأخير، وكنت أستخدم تطبيق Word على الهاتف. فجأة، توقف الهاتف، وحين أعدت تشغيله، تلف الملف بالكامل. شعرت بانهيار، لكني قررت أن أبدأ من جديد، وأعدت كتابة الرواية، فجاءت أكثر نضجًا وإبداعًا، ونجحت بالفعل.
هل ترى الكتابة وسيلة علاج نفسي؟
بالتأكيد. ليس للكاتب وحده، بل للإنسان عمومًا. الكتابة تطهّر، تفرّغ، تُرتب الفوضى الداخلية. لذلك، يُنصح بها حتى في العلاج النفسي. إنها وسيلة مصالحة مع الذات.
في رأيك، لماذا تراجع الأدب الرومانسي في مقابل صعود الرعب والفانتازيا؟ وهل من أمل لعودة فارس الرومانسية؟
الرومانسية لم تختفِ تمامًا، لكنها لم تعد "تريند". القارئ اليوم يميل للرعب والفانتازيا، ربما لأن الإنسان بطبيعته يحب المجهول ويُفتن بالمخيف. أما أنا، فلا أحبذ التصنيفات أو الألقاب، وأرى أن العمل الجيد هو من يفرض نفسه، لا نوعه.
هل لديك هوايات أخرى بعيدًا عن الكتابة؟
كثيرًا. أحب الرسم، وإعادة التدوير، وأشغال الـ"هاند ميد"، وتصميم الأزياء، والتمثيل. كل ما يتصل بالإبداع يثير شغفي.
من هو مثلك الأعلى في الكتابة؟
مثلي الأعلى ليس شخصًا بعينه، بل كل عمل أدبي جيّد ترك فيّ أثرًا وبصمة. الكلمة هي المقياس، لا الاسم.
وأخيرًا.. كيف تقيم هذا الحوار؟
استمتعت به جدًا. كانت الأسئلة عميقة، والمناخ الذي أتاحه الحوار كان مريحًا ومحفزًا. أشكر الجريدة على هذه المساحة الجميلة.