كيف يتعرف الدماغ على الأطعمة السامة ويتجنبها؟ دراسة تكشف أسرار «ذاكرة الطعام» في المخ

May 11, 2025 - 11:28
كيف يتعرف الدماغ على الأطعمة السامة ويتجنبها؟ دراسة تكشف أسرار «ذاكرة الطعام» في المخ

كتبت: أمنية شكري

 

كيف يكوّن الدماغ ذاكرة للأطعمة الضارة؟

هل سبق وأن أصبت بتسمم غذائي بعد تناول نوع معين من الطعام؟ من المحتمل أنك أصبحت تتجنّب هذا الطعام تلقائيًا بعد تلك التجربة. هذه الاستجابة ليست حكرًا على البشر فقط، بل تُعدّ سلوكًا شائعًا بين الحيوانات أيضًا، حيث تطوّر الكائنات الحية نفورًا من الأطعمة السامة وتُفضّل الأغذية المفيدة.

دراسة جديدة تكشف مركز الذاكرة المرتبط بتجنب الطعام السام

في دراسة نُشرت في مجلة Nature بتاريخ 2 أبريل، استطاع علماء الأعصاب من جامعة برينستون تحديد "مركز الذاكرة" في دماغ الفئران المسؤول عن تكوين النفور من الطعام بعد تجربة واحدة فقط. تُعرف هذه الظاهرة بـ"التعلم من تجربة واحدة"، وهي آلية يعتمد عليها الدماغ لتكوين ذكريات طويلة الأمد من تجربة واحدة سلبية.

التسمم الغذائي والذاكرة العاطفية

يعاني العديد من الناس من ذكريات قوية عن تجارب التسمم الغذائي، ما يؤدي إلى تجنّب دائم لأنواع معينة من الأطعمة. وعلّق الدكتور كريستوفر زيمرمان، الباحث المشارك في الدراسة، قائلاً: "لم أُصب بتسمم غذائي منذ فترة، لكن عندما أتحدث مع الناس، أجد أن لكل شخص قصة مختلفة عن التسمم الغذائي."

ما الذي حيّر العلماء؟ الفاصل الزمني بين الطعام والمرض

ما ميّز هذه الدراسة هو أنها تعاملت مع "الفجوة الزمنية" بين تناول الطعام الملوث وظهور أعراض المرض—وهي ليست استجابة فورية كما في حالات الألم أو الحرق.

ولفهم هذه الظاهرة، استخدم الباحثون مشروب Kool-Aid بنكهة العنب لتجربة تأثير نكهة جديدة على أدمغة الفئران.

كيف تعلّمت الفئران تجنّب الطعام؟

في التجربة، تناولت الفئران المشروب الجديد ثم تلقت لاحقًا حقنة سببت لها مرضًا مؤقتًا يشبه التسمم. بعد يومين، اختارت الفئران الابتعاد عن هذا المشروب، مفضّلة الماء، ما يدل على تكوين ذاكرة واضحة للنفور منه.

اكتشاف الدور الحاسم للوزة الدماغية

أظهر الباحثون أن منطقة "النواة المركزية للوزة الدماغية" (Central Amygdala) هي المنطقة المسؤولة عن ربط النكهة بالتجربة السلبية. وقال زيمرمان: "هذه المنطقة من الدماغ تنشط في كل مرحلة من مراحل التعلم: عند تذوق الطعام، عند الشعور بالانزعاج، وعند استرجاع الذكرى لاحقًا."

كيف تنتقل إشارات المرض من الأمعاء إلى الدماغ؟

اعتمد الباحثون على أبحاث سابقة لتتبع مسار الإشارات من الأمعاء إلى الدماغ. وتوصلوا إلى أن الخلايا العصبية التي تحتوي على CGRP (ببتيد مرتبط بجين الكالسيتونين) تقوم بنقل هذه الإشارات مباشرة إلى النواة المركزية للوزة الدماغية. وعند تحفيز هذه الخلايا بعد شرب المشروب، ظهر الشعور نفسه بالنفور كما لو أن الفأر أُصيب بتسمم حقيقي.

الذاكرة وإعادة التنشيط العصبي

تبين أن التجربة السلبية تعيد تنشيط الخلايا العصبية التي ارتبطت بالنكهة الجديدة، وكأن الدماغ "يسترجع" الذاكرة. وصرّحت الدكتورة إيلانا ويتن، أستاذة علم الأعصاب في برينستون: "إنه شبيه بعملية استدعاء الذاكرة داخل المخ."

كيف تساعد هذه الدراسة في فهم الذاكرة البشرية؟

تُظهر الدراسة أن النكهات الجديدة قد "تُعلّم" بعض الخلايا العصبية لتبقى في حالة تأهّب لساعات بعد الأكل، مما يسمح بربط المرض بتلك النكهة رغم التأخير الزمني. وقال زيمرمان: "في الحياة الواقعية، نواجه نتائج مؤجلة لقراراتنا، وهذه الدراسة تسلط الضوء على كيفية تعامل الدماغ مع هذه الفجوة الزمنية."

أهمية الدراسة في الأبحاث المستقبلية

يفتح هذا البحث آفاقًا جديدة لفهم كيفية ارتباط الأحداث المتباعدة زمنيًا داخل الدماغ. إلى جانب فهم ذاكرة الطعام، فإن لهذه النتائج تطبيقات مهمة في فهم اضطرابات مثل اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD) والتعلّم المرتبط بالمكافأة أو العقاب.